كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

عنه. ولهذا الرسم أحكام وقواعد حيث كتب على نحو يتوافق والقراءات العشر.
ولما أعيدت صحف حفصة إليها ظلّت عندها حتى توفيت وقد حاول مروان بن الحكم أن يأخذها منها ليحرقها فرفضت، حتى إذا توفيت أخذ مروان الصحف وأحرقها وقال مدافعا عن وجهة نظره:" إنما فعلت هذا لأنّ ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف الإمام، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب". وقد وافقه علماء عصره على هذا وكان فعله صوابا وحكمته عظيمة.
ومن المعروف أنّ ابن كثير وهو من علماء القرن الثامن هجري، قد رأى مصحف الشام أي المصحف الذي أرسله عثمان رضي اللّه تعالى عنه إلى الشام وقال في كتابه" فضائل القرآن:" أمّا المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر اللّه، وقد كان قديما بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود سنة 518 ه. وقد رأيته كتابا عزيزا جليلا عظيما ضخما بخط حسن مبين قوي، بحبر محكم، في رق أظنه من جلود الإبل".
رسم القرآن:
مما لا شك فيه أنّ الصحف التي كتبت على عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمصاحف العثمانية التي وزّعت على الأمصار، كانت خالية من الشكل والنقط أي من التشكيل بالفتحة والضمة والكسرة. ومما لا ريب فيه أيضا أنّ رسم المصاحف العثمانية التي نسخت على هدي المصحف الأول، يقوم على إملاء خاص به في ذلك العصر وفيما بعده أيضا وهو يتفق في جملته مع الرسم القرشي في ذلك الوقت، ومن هنا قال عثمان رضي اللّه عنه للكاتبين كما ورد في صحيح البخاري:" إذا اختلفتم أنتم وزيد في كلمة من كلمات القرآن (أي في كيفية كتابتها أي إملائها) فاكتبوها بلسان قريش فإنّ القرآن أنزل بلسانهم". إذا كان للقرآن إملاء خاصا من حيث كتابة الهمزة مثلا أو الأحرف اليائية والواوية ومن حيث الزيادة والنقص وما شابه ذلك. أما ظاهرة كتابته وهجائه الخاص فلم يطرأ عليها تغيير أو تحوير يذكر. فقد أخذ الناس يعتبرون الرسم القرآني رسما معيّنا خاصا به ولم يجدوا ما يدعو إلى مدّ يد التغيير إليه، بعد أن وصل إليهم بهذا الشكل صورة طبق الأصل للكتابة المعتمدة الأولى. لقد رأى العلماء أنّ الحيطة في حفظ القرآن تدعو إلى وجوب إبقائه على شكله الأول، وتحريم أو تكريه أي تطوير كتابي فيه تطبيقا للقاعدة الشرعية الكبرى (سد الذرائع). فنهى مالك عن تغيير هذه الكتابة الخاصة

الصفحة 106