كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
بالقرآن كما حرّم أحمد بن حنبل ذلك أيضا.
تحسين الرسم العثماني:
كانت المصاحف العثمانية خالية من النقط والشكل لأنّ العرب كانوا يعتمدون على السليقة العربية السليمة التي لا تحتاج إلى الشكل بالحركات. وظل الناس يقرءون القرآن في تلك المصاحف بضعا وأربعين سنة حتى خلافة عبد الملك، فلما تطرّق إلى اللسان العربي الفساد بكثرة الاختلاط بالأعاجم وذلك بسبب الفتوحات الإسلامية الواسعة، أحسّ أولو الأمر بضرورة تحسين كتابة المصحف بالشكل والنقط وغيرهما مما يساعد على القراءة الصحيحة. ويرجّح أنّ أول من وضع ضوابط للعربية وتشكيل القرآن، هو أبو الأسود الدّؤلي من التابعين، وذلك بأمر من علي ابن أبي طالب كرّم اللّه وجهه وكان قد أمره بذلك زياد والي البصرة ولكنه تباطأ في بادئ الأمر إلى أن سمع قارئا يقرأ قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ، [التوبة: 3]، فقرأها بجر اللام من كلمة" رسوله" فغير بذلك المعنى كله وأصبح معنى هذه القراءة الخاطئة أن اللّه تعالى بريء من كل المشركين ومن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والعياذ باللّه تعالى، بينما المعنى الصحيح للآية هو أن اللّه تعالى وكذلك رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ بريء من المشركين. أفزع هذا اللحن (الخطأ) أبا الأسود فذهب إلى الوالي زياد وقال له:" قد أجبتك إلى ما سألت". وانتهى في اجتهاده أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف وجعل علامة الكسرة نقطة أسفله وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف وجعل علامة السكون نقطتين. وأعانه في ذلك عدد من العلماء وتبعه آخرون منهم: يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم الليثي وغيرهما ... فلم ينفرد أبو الأسود الدؤلي وحده في تشكيل القرآن ولكنه كان أول من بدأ بذلك. وكلما امتد الزمان بالناس، ازدادت عنايتهم بتيسير الرسم العثماني، فكان الخليل بن أحمد الفراهيدي أول من صنّف النقط ورسمه في كتاب وأول من وضع الهمزة والتشديد والرّوم والإشمام. ومن المعلوم إنّ علم النحو لم يقعّد ويدوّن إلا خدمة لضبط القرآن، حتى إنّ معظم علوم العربية الأخرى إنما قامت لخدمة القرآن أو نبعت من مضمونه. ثم تدرج الناس بعد ذلك فقاموا بكتابة العناوين في رأس كل سورة ووضع رموز فاصلة عند رءوس الآي وتقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب وأرباع والإشارة إلى ذلك برسوم خاصة، وذكر المكي والمدني من السور. حتى إذا كانت نهاية القرن الهجري الثالث، بلغ الرسم ذروته من الجودة والحسن.