كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

وقد نتجت عن هذه المصالح الثلاثة ومكملاتها عدة قواعد فقهية استنبطها الفقهاء «1».
إذن أول مقاصد الشريعة وأهمها هو الضروريات بأقسامها الخمسة، وأهم هذه الأقسام هو حفظ الدين ومن ثم النفس والعقل للكائن البشري الذي هو أهم مخلوق في هذا الكون بل خلق الكون لأجله، فجعل اللّه تعالى كل ما في الكون من أمور عظيمة لا يجحدها إلا مكابر مسخر بأمره لأجل خدمة هذا المخلوق. ومن ثم أنزل الكتب وأرسل الرسل ليبينوا للناس على مر الأجيال حقيقة وسبب وجودهم، وحذروهم من مغبة انقيادهم وراء ما خلق لأجلهم وترك ما هو أهم ألا وهو ما خلقوا من أجله «2».
تتميز تنظيمات اللّه تعالى بسلامتها من أي غرض وميل إلى الهوى وتفضيل لبشر على بشر في لون أو نسب أو جنس، فالخلق عند اللّه تعالى سواء، بالإضافة إلى نفوذ علمه وإحاطته بجميع خلقه. والناس لو سلمت تنظيماتهم الوضعية من الهوى والغرض فهي لم تسلم من النقص والعوج والزيغ، بدليل تناقض أحكامهم، بل إن الشخص الواحد يناقض نفسه فينقض اليوم ما أبرمه بالأمس. ويؤكد أهل الشريعة الإسلامية أن هذه الشريعة تعتبر أساسا ومصدرا لكل تشريع لأنها شمولية أي شاملة للجنس البشري لأي جيل في كل زمان والمكان بحيث لا يمكن أن تقوم مقامها شرعة أخرى لشمولها الأصول والفروع والظاهر والباطن، فهي الحق وهي العدل وهي المصلحة وحيثما كان الحق والعدل والمصلحة فثم شرع اللّه تعالى، وأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ ومُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ولكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)، (المائدة: 48) .. ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)، (الجاثية: 18).
والأحكام التي تناولها الشرع الإسلامي ثلاثة: الأحكام الاعتقادية، والأحكام
______________________________
(1) الإسلام والتنمية البشرية، الدكتور أسامة عبد المجيد العاني، ص 9 - 14 بتصرف.
(2) انظر كتابنا (القرآن منهل العلوم)، إصدار الجامعة الإسلامية، بغداد، 1423 ه/ 2002 م.

الصفحة 11