كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
سنن أبي داود عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال:" كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أريد حفظه ... ". وقد تناولت الكتابة في عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قسما كبيرا من أهم الأحاديث وأدقها لاشتمالها على أمهات الأمور وعلى أحكام دقيقة.
قوانين الرواية في عهد الصحابة:
اعتمد أئمة المفتين في هذا الدور وجلّ الصحابة قوانين محددة فيما يتعلق برواية الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأهم هذه القوانين هي التالية:
التقليل من الرواية: خشية أن ينتشر الكذب والخطأ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ...
روى الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ عن سيدنا أبي بكر أنه جمع الناس بعد وفاة نبيهم عليه الصلاة والسلام فقال:" إنكم تحدّثون عن رسول اللّه أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدّثوا عن رسول اللّه شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه".
التّثبت في الرواية: كان الصحابة يتثبّتون فيما يروى لهم، فلم يكن أبو بكر ولا عمر يقبلان من الأحاديث إلا ما شهد اثنان أنهما سمعاه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذلك للأسباب التالية:
أ - قوله تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (105)، [النحل: 105].
ب - قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ، [الحجرات: 6].
ج - لما سئل الزبير بن العوّام لما ذا لا تحدّث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كما يحدّث فلان وفلان؟ قال:" أما إني لم أفارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولكني سمعته يقول:" من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
د - ورد في الحديث الصحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:" من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
إذا فقد كان من طبع الصحابة الحرص الشديد والخوف من الكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيف لا وقد مدحهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يرويه البخاري:" اللّه اللّه في أصحابي لا تسبوهم