كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
فقه الصحابة:
كان علماء الصحابة إذا سئلوا في مسألة ما، نظروا في كتاب اللّه تعالى فإن لم يجدوا نظروا في سنة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن لم يجدوا نصا لا من الكتاب ولا من السنة، سألوا باقي الصحابة هل قضى أحد قبلنا في هذا الأمر بقضاء؟ فإن سمعوا أنّ أحدا قضى بقضاء ونفذ ووجدوا أنّ الأمر قريب قضوا. ولقد كان الصحابة يتحفظون تحفظا شديدا في الاجتهاد، فكان الواحد منهم إذا اضطر إلى الاجتهاد في حال عدم وجود نص، جمع مجلس الشورى وطرح القضية التي هو بصددها واستشار الصحابة العلماء وتجاذب معهم أطراف البحث والنقاش ولم ينفرد في إعطاء حكم، فإن انتهى إلى شيء - سواء كان أبو بكر أو عمر أو عثمان أو أي ممن جاء بعدهم - كان يقول:" هذا رأيي فإن كان صوابا فمن اللّه تعالى وإن كان خطأ فمني وأستغفر اللّه تعالى" ... وورد أنّ رجلا ممن أرسلهم سيدنا عمر واليا على جهة من الجهات قال للناس: هذا ما قضى به اللّه وقضى به عمر، فسمع عمر ذلك وأرسل إليه يقول:" بئس ما قلت، بل هذا ما قضاه عمر، لا تجعلوا الرأي سنّة اللّه في الناس فتحمّلوها خطأ الناس".
وكان الصحابة يقولون إذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المؤيّد بالوحي، قال اللّه تعالى له:
وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159] فما بالك بمن جاء بعده! فإذا استشاروا وأجمعوا على رأي واحد، فذاك هو الإجماع، أما إذا اختلفوا فكل يقضي بما يرى. ومن مظاهر الشورى أنّ سيدنا أبا بكر رضي اللّه عنه لمّا جهّز جيش أسامة بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم - وكان هذا أول ما قام به أبو بكر - قال لأسامة وقد رأى أنّ عمرا رضي اللّه عنه قد انخرط بين أفراد الجيش:" إن رأيت أن تعطيني عمر وتبقيه عندي فعلت".
انظروا كيف يقول خليفة المسلمين، - ذاك الشيخ الكبير لأسامة الذي لم يبلغ من العمر التاسعة عشر بعد، هذا الكلام بأدب متناهي! لما ذا؟ لأنّ أبا بكر كان يرى أنه قد تعرض له الفتوى والمشكلات وهو بحاجة إلى أمثال سيدنا عمر رضي اللّه عنه ليستشيره وليأخذ رأيه. وطبعا أجابه أسامة لذلك وبقي عمر عند أبي بكر الذي لا يتأخر في استشارة من حوله من الصحابة كعثمان وعليّ وغيرهم رضي اللّه عنهم أجمعين. وما أكثر ما كان يقول عمر:" لو لا علي لهلك عمر". وكذلك علي كان إذا عرض عليه رأي لم يبتّ بهذا الرأي حتى يستشير كبار الصحابة وفي مقدمة هؤلاء أبو بكر وعمر.
فلنلاحظ صورة الأخوّة الواقعية في حياة الصحابة وآل البيت ومحبتهم لبعضهم