كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

صلّى اللّه عليه وسلّم:" آلله (أي أقسم عليك باللّه) ما أردت (بكلمة البتة) إلا واحدة؟، فقال ركانة:
" واللّه ما أردت بها إلا واحدة". فأعادها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم له، فلو لم تكن كلمة البتة تعني ثلاثا لما سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ركانة ما ذا أراد من قوله البتة، ولو لم يكن طلاق الثلاثة في المجلس الواحد يقع لما سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركانة عن قصده بكلمة البتة. أما حديث مسلم الذي يرويه عن طاوس وعن ابن عباس:" كان طلاق الثلاث على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واحدة في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عهد أبي بكر وفي صدر من خلافة عمر ثم قال عمر إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فمن استعجل أناة اللّه ألزمناه بها"، قال ابن جرير الطبري في شرح هذا الحديث وأبو وليد الباجي والنووي في شرحه على صحيح مسلم، معناه أي كان الرجل في صدر الإسلام إذا أراد أن يطلّق زوجته ثلاث تطليقات لا يستعمل إلا نفس اللفظة أي لفظة البتة فيقول:" أنت طالق البتة"، وإذا أراد أن يطلق طلقة واحدة قال:" أنت طالق البتة". فالبتة كناية عن طلقة واحدة أو ثلاث حسب النية، وكان الشائع الأغلب في عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وفي عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر أنه يقصد بذلك طلقة واحدة. هذا هو الغالب والعام لأنه نادر جدا من الصحابة من طلق ثلاث مرات دفعة واحدة لأنّ ذلك محرّم. فكان الرجل إذا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو أبي بكر وقال له إني طلقت زوجتي البتة، صحيح أنّ البتة كناية عن طلاق الثلاث ولكن الشائع الأغلب أنه يقصد بها واحدة، لذلك كان يسأل عن نيته، فإذا قال واحدة حكم له بواحدة. ولمّا كانت خلافة عمر تغيّر حال الناس وأخذ كثير من الناس يطلق ثلاث طلقات بكلمة واحدة، وشاع بينهم استعمال لفظ البتة على الثلاث، لذلك حكم عمر على من قال له إني طلقت زوجتي البتة أنه طلقها ثلاثا إلا أن يقسم أنه ما قصد إلا واحدة ذلك لأننا نحكم على الألفاظ حسب العرف فإذا كان عرف الناس أن يطلّقوا طلاق البتة ويقصدون به ثلاثا وقع ثلاثا كما أصبح العرف في عصرنا لمن قال لزوجته أنت عليّ حرام وقع طلاقا وهذا اللفظ في أصله كناية ولكن لما شاع استعمال الناس له على أنه طلاق أصبح يفتى لمن قال هذا اللفظ لزوجته أنه طلقها. وهذا الذي قال به عمر من أن من طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد وقعت ثلاث تطليقات وبانت منه بينونة كبرى وهو ما قاله جمهور علماء الحديث وأجمعت عليه الأمة. إذا هذا الحديث في واد وما استدلّ عليه وفهمه أحمد أمين في واد آخر!

الصفحة 122