كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
4 - الدور الرابع من تاريخ التشريع الإسلامي: عصر الأئمة
ويمتد من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع وهو دور تدوين السنة والفقه وظهور كبار الأئمة الذين اعترف لهم الجمهور بالزعامة وسيأتي فيما يلي ترجمة كل واحد منهم:
أولا: ترجمة الإمام الأكبر أبي حنيفة النعمان رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه:
بشارة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم به:
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مبشرا بأبي حنيفة:" لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجل من فارس". وفي لفظ لمسلم:" لو كان الإيمان عند الثريا لذهب به رجل من أبناء فارس حتى يتناوله".
نزل ثابت والد الإمام الكوفة وكان من وجوه بلاد فارس، وعمل بالتجارة وكان ماهرا فيها وحافظ على نفس المستوى الاجتماعي الذي عاشته الأسرة من قبل، في رخاء وبحبوحة. التقى ثابت الإمام عليّ كرّم اللّه وجهه الذي دعا له بالبركة فيه وفي ذريته.
والإمام أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة 80 من الهجرة بالكوفة. بدأ أبو حنيفة ومنذ نعومة أظافره يذهب مع أبيه إلى متجره حيث كان يلازمه ويتعلم منه أصول وأسس التعامل مع البائعين والمشترين، وتابع خطى أبيه وعاش في رخاء ويسر وكان بزّازا أي تاجر أقمشة وثياب وكان له شريك في متجره يساعده.
حرصه على الكسب الحلال:
كان يقول:" أفضل المال الكسب من الحلال وأطيب ما يأكله المرء من عمل يده".
جاءته امرأة بثوب من الحرير تبيعه له فقال كم ثمنه، قالت مائة، فقال هو خير من مائة، فقالت مائتين، فقال هو خير من ذلك، حتى وصلت إلى أربع مائة فقال هو خير من ذلك، قالت أ تهزأ بي؟ فجاء برجل فاشتراه بخمسمائة.
وذات يوم أعطى شريكه متاعا وأعلمه أنّ في ثوب منه عيب وأوجب عليه أن يبين العيب عند بيعه. باع شريكه المتاع ونسي أن يبين ولم يعلم من الذي اشتراه، فلما علم أبو حنيفة تصدّق بثمن المتاع كله.
وكان أبو حنيفة يجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة فيشتري بها حوائج الأشياخ والمحدثين وأقواتهم وكسوتهم وجميع لوازمهم ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم ويقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا اللّه فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا ولكن من