كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
فضل اللّه عليّ فيكم.
كان الخليفة أبو منصور يرفع من شأن أبي حنيفة ويكرمه ويرسل له العطايا والأموال ولكن أبا حنيفة كان لا يقبل عطاء. ولقد عاتبه المنصور على ذلك قائلا: لم لا تقبل صلتي؟. فقال أبو حنيفة: ما وصلني أمير المؤمنين من ماله بشيء فرددته ولو وصلني بذلك لقبلته إنما وصلني من بيت مال المسلمين ولا حق لي به.
وقع يوما بين الخليفة المنصور وزوجته شقاق وخلاف بسبب ميله عنها، فطلبت منه العدل فقال لها من ترضين في الحكومة بيني وبينك؟ قالت أبا حنيفة، فرضي هو به فجاءه فقال له: يا أبا حنيفة زوجتي تخاصمني فانصفني منها، فقال له أبو حنيفة:
ليتكلّم أمير المؤمنين. فقال المنصور: كم يحلّ للرجال أن يتزوج من النساء؟ قال: أربع.
قال المنصور لزوجته: أسمعت. فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين إنما أحلّ اللّه هذا لأهل العدل فمن لم يعدل أو خاف أن لا يعدل فواحدة لقوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً، [النساء: 3]، فينبغي لنا أن نتأدّب مع اللّه ونتّعظ بمواعظه. فسكت المنصور وطال سكوته، فقام أبو حنيفة وخرج فلما بلغ منزله أرسلت إليه زوجة المنصور خادما ومعه مال وثياب، فردها وقال: أقرئها السلام وقل لها إنما ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام للّه ولم أرد بذلك تقربا إلى أحد ولا التمست به دنيا.
حرصه على مظهره:
كان حريصا على أن يكون مظهره حسنا تماما لذا كان كثير العناية بثيابه.
رأى مرة على بعض جلسائه ثيابا رثة فأمره أن ينتظر حتى تفرّق المجلس وبقي وحده فقال له: ارفع المصلى وخذ ما تحته، فرفع الرجل المصلى وكان تحته ألف درهم، وقال له خذ هذه الدراهم وغيّر بها حالك، فقال له الرجل إني موسر وأنا في نعمة ولست أحتاج إليه، فقال له أبو حنيفة: أما بلغك الحديث:" إنّ اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"؟.
طلبه للعلم:
لزم أبو حنيفة عالم عصره حمّاد بن أبي سليمان وتخرّج عليه في الفقه واستمر معه إلى أن مات. بدأ بالتعلم عنه وهو ابن 22 سنة ولازمه 18 سنة من غير انقطاع ولا نزاع. يقول أبو حنيفة:" بعد أن صحبت حمّادا عشر سنين نازعتني نفسي لطلب الرئاسة، فأردت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي. فخرجت يوما بالعشيّ