كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
الحديث وتعلموا منه كيفية استخراج الأحكام فاستفاد وأفاد. وانعكس هذا الأمر على تلامذته مثل أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهم ... وكان لإخلاصه في طلب العلم يرجع عن رأيه إذا اطلع على حديث أو فتوى صحابي.
تأديبه لتلميذه أبي يوسف:
لمّا مرض أبو يوسف قال أبو حنيفة: لئن مات هذا الغلام لم يخلفه أحد على وجه الأرض. فلمّا عوفي أعجب بنفسه وعقد له مجلسا في الفقه فانصرفت وجوه الناس إليه، فلمّا بلغ ذلك أبا حنيفة قال لبعض من عنده: اذهب إلى مجلس يعقوب (يعني أبو يوسف) وقل له: ما تقول في قصّار دفع إليه رجل ثوبا ليقصّره بدرهمين ثم طلب ثوبه فأنكره القصّار ثم عاد له وطلبه فدفعه له مقصورا، له أجرة؟ فإن قال نعم قل له أخطأت وإن قال لا قل أخطأت. فسار إليه الرجل فسأله فقال نعم له أجرة فقال له أخطأت، فنظر ساعة فقال لا، فقال أخطأت، فقام من ساعته لأبي حنيفة فلما رآه قال: ما جاء بك إلا مسألة القصّار. قال: أجل. قال: سبحان اللّه من قعد يفتي الناس وعقد لنفسه مجلسا يتكلم في دين اللّه تعالى وهذا قدره لا يحسن أن يجيب في مسألة من الإجارات، فقال: علّمني، قال: إن كان قصّره بعد ما غصبه فلا أجرة له لأنه قصّره لنفسه، فإن قصّره قبل غصبه فله الأجرة لأنه قصّره لصاحبه، فعاد أبو يوسف ولم يترك بعدها مجلس أبي حنيفة قط.
موقفه من آل بيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
موقفه من آل بيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في عصره كموقف الأئمة الأربعة وموقفنا جميعا وهو حب آل البيت والانتصار لهم كما قال الإمام الشافعي عند ما اتّهم بالتشيع: إن كان رفضنا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافض.
ومن المعلوم أنّ أبا حنيفة كان متشيّعا إن صح التعبير لآل البيت (أي كان يحبهم ويقف معهم إذا تعارضوا مع الخليفة في عصره)، لكنه كان دائما يعلن أنّ أبا بكر أفضل من عمر وعمر أفضل من عثمان ويرى أنّ كلا من عثمان وعلي بمستوى واحد. ومعنى ذلك أنّ حبه لآل البيت كان حبا شعوريا تفرّع عن حبه للمصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم ولم يكن حبا مذهبيا ينحاز عن أهل السنّة والجماعة. وذكر أبو حنيفة أنه التقى بالإمام محمد الباقر وهو من أئمة الإمامية وهو والد جعفر الصادق، فسأله أبو حنيفة: ما تقول أصلحك اللّه في أبي بكر وعمر؟ فأثنى محمد الباقر عليهما خيرا وقال يرحمهما اللّه تعالى وأخذ يفيض بالحديث عن آثارهما فقال له بعضا من أهل العراق يقولون إنك تتبرأ منهما، قال معاذ اللّه، كذبوا ورب الكعبة! أتعلم من هو عمر لا أبا لك؟ إنه ذاك الذي زوجه عليّ من