كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

ابنته أم كلثوم، وهل تدري من هي أم كلثوم لا أبا لك؟ إنّ جدها رسول اللّه وإن جدتها السيدة خديجة سيدة نساء الجنة وإنّ أمها فاطمة الزهراء وإنّ أباها عليّ فلو لم يكن عمر أهلا لها لما أعطاه عليّ ابنته!.
وقد اشتهرت كلمة لأبي حنيفة جاء فيها:" ما قاتل عليّ أحدا إلا وعليّ أولى بالحق منه أي في عصره بعد أبي بكر وعمر". لم يكن حبه لآل البيت يدفعه إلى الانتقاص من صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بل على العكس، لأن أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كلهم يحبون ويوقرون آل بيته صلّى اللّه عليه وسلّم وآل البيت كلهم يحبون ويجلّون ويوقرون كل صحابة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم. هذا الخط يجسّد الصراط العريض الذي أشار إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أحاديث بلغت في مجموعها مبلغ التواتر المعنوي مثاله:" عليكم بالجماعة"،" عليكم بالسواد الأعظم ومن شذّ شذّ في النار"،" إنّ الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد"،" سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة"،" من أراد أن يلزم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" ...
وكان أبو حنيفة على علاقة طيبة مع المنصور ولكن لما قتل أبو جعفر المنصور محمد بن عبد اللّه بن حسن الملقّب بالنفس الزكية من الطالبيين بدأ أبو حنيفة يغير موقفه من الخليفة وأخذ ينتقد مواقفه وأخطاءه عند ما تطرح عليه الأسئلة وكان ذلك يغيظ الخليفة كثيرا. انتفض أهل الموصل على المنصور وكان المنصور قد اشترط عليهم أنهم إن انتفضوا حلّت دماؤهم، فجمع المنصور العلماء والفقهاء والقضاة وكان بينهم أبا حنيفة وقال لهم: أ ليس صح أنّ رسول اللّه قال المؤمنون عند شروطهم يلتزمون بها وأهل الموصل قد اشترطوا ألا يخرجوا عليّ وها هم قد خرجوا وانتفضوا ولقد حلّت دماؤهم فما ذا ترون؟
قال أحد الحاضرين: يا أمير المؤمنين، يدك مبسوطة عليهم وقولك مقبول فيهم فإن عفوت فأنت أهل العفو وإن عاقبت فبما يستحقون. التفت المنصور إلى أبي حنيفة يسأله ويستنطقه ليوقع به فقال أبو حنيفة: إنهم شرطوا لك ما لا يملكونه وشرطت عليهم ما ليس لك لأنّ دم المسلم لا يحلّ إلا بإحدى ثلاث فإن أخذتهم أخذت بما لا يحلّ وشرط اللّه أحق أن يوفى به. عندئذ أمر المنصور الجميع أن ينصرفوا ما عدا أبي حنيفة وقال له: إنّ الحق ما قلت، انصرف إلى بلادك ... ويروى أنه كان لأبي حنيفة جار رافضي كان عنده بغلان سمى واحدا أبا بكر والآخر عمر، وفي أحد الأيام رفسته بغلة فوقع ميتا، فقال أبو حنيفة: انظروا البغلة التي رفسته هي التي سماها عمر، وهكذا كان!.

الصفحة 140