كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
- كان أبو حنيفة في زيارة شيخه الأعمش يوما (والأعمش من كبار المحدثين)، فجاء إلى الأعمش رجل يسأله عن مسألة في العلم فقال لأبي حنيفة: أجبه. فأجابه، فقال له: ومن أين لك هذا؟ قال: من حديث حدثتنيه هو كذا وكذا. فقال الأعمش:
حسبك ما حدّثتك به في سنة تحدّث به في ساعة، أنتم الأطباء ونحن الصيادلة.
سؤال: لما ذا نتبع أبا حنيفة ولا نتبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟
الجواب: بعد أن أوضحنا الأدوار الثلاثة وبدأنا الكلام عن الدور الرابع لم يبق لهذا السؤال أي معنى فأبو حنيفة لم يخترع شيئا بل اتّباعنا له هو عين اتّباع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأن الذي فعله أبو حنيفة هو أن شرح لنا آيات كتاب اللّه عز وجل وأحاديث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم واستخرج منها الأحكام وبوّبها على أبواب الفقه. فمن المعلوم أن للقرآن الكريم تفاسير عديدة، كل تفسير عني بناحية من النواحي، فتفسير يعنى بالعقيدة كتفسير الرازي وتفسير يعنى بالمأثور كتفسير ابن كثير وتفسير يعنى باللغة كتفسير الآلوسي وابن عاشور وغيرهم، كذلك هؤلاء الأئمة الأربعة، كل ما فعلوه أنهم عمدوا إلى الكتاب والسّنة وأقوال الصحابة فجمعوها واستنبطوا منها الأحكام وبوّبوها بأبوابها: باب الطهارة باب الصلاة ... إلخ ودوّنوها لنا، فإذا أخذنا عنهم نكون حقيقة قد أخذنا عن اللّه عز وجل وعن رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ذلك لأن عامة الناس لا يفقهون آيات كتاب اللّه تعالى ولا أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ولا يعلمون الناسخ والمنسوخ والعام والخاص وما إلى ذلك ...
سؤال: إنّ أبا حنيفة بشر غير معصوم يصيب ويخطئ فكيف نتبعه؟
الجواب: كونه بشر لا ينقص من مكانته ولا يمنع من جوازه، لا بل ضرورة اتباعه أو أحد الأئمة الأربعة لكل من لم يبلغ درجة الاجتهاد ثم من الذي يستطيع أصلا أن يكشف خطأ الإمام في الاجتهاد خاصة إذا كان من العوام؟ وإن كان مجتهدا وصل إلى درجة الاجتهاد المطلق فهذا المجتهد نفسه غير معصوم أيضا، فمن نتبع إذا!!!؟ إنّ اللّه تعالى أمرنا باتباع العلماء والمجتهدين المخلصين في قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43)، أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ، وأهل الذكر هم أمثال أبي حنيفة ومالك ... ومن المعلوم أنه ليس من الضرورة أن يكون قول الإمام هو القول المفتى به في المذهب، فالإمام لم يكن لوحده يمثّل مذهبه، هناك فقهاء كثيرون محققون ينتسبون للمذهب نفسه يصوّبون الإمام إن أخطأ. والذي يريد أن يحقق في مسألة مس المرأة الأجنبية عند الحنفية والشافعية ليرجّح قول أحدهما، إن كان هذا