كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
بضعة عشر حديثا ولم تكن له بضاعة في رواية الأحاديث ... إذا رجعت إلى ترجمة الإمام لوجدت الإجماع على أنّ هذا كذب، فقد صح عنه أنه:
- تفرّد برواية وتخريج أكثر من مائتي حديث فضلا عن الأحاديث التي اشترك مع المحدثين الآخرين في روايتها.
- لو أردت أن تجمع الأحاديث من مصنفات محمد بن الحسن وأبي يوسف وغيرهما من مرويّات أبي حنيفة فلسوف تجد الشيء الكثير.
- لو وقفت على مناقشة بسيطة في مسألة من مسائل الفقه بينه وبين أحد الأئمة لرأيته يروي عددا كبيرا من الأحاديث.
مروياته في باب الصلاة تزيد عن مائة حديث.
ورعه وتقواه وعبادته للّه تعالى:
قال ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري: ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة، ما سمعته يغتاب عدوا له. قال: واللّه هو أعقل من أن يسلّط على حسناته ما يذهب بها ... كان أبو حنيفة يختم القرآن في كل يوم ثم حين اشتغل بالأصول والاستنباط واجتمع حوله الأصحاب أخذ يختمه في ثلاث في الوتر ... صلى أبو حنيفة ثلاثين سنة صلاة الفجر بوضوء العتمة وحج خمسا وخمسين حجة.
قال مسعر بن كدام: رأيت الإمام يصلي الغداة ثم يجلس للعلم إلى أن يصلي الظهر ثم يجلس إلى العصر ثم إلى قريب المغرب ثم إلى العشاء، فقلت في نفسي متى يتفرغ للعبادة؟ فلما هدأ الناس خرج إلى المسجد وكان بيته بجوار المسجد الذي يؤم فيه حسبة للّه تعالى. فانتصب للصلاة إلى الفجر ثم دخل فلبس ثيابه. وكانت له ثياب خاصة يلبسها لقيام الليل وخرج إلى صلاة الصبح ففعل كما فعل، ثم تعاهدته على هذه الحالة فما رأيته مفطرا ولا بالليل نائما. وكان يغفو قبل الظهر إغفاءة خفيفة، وقرأ ليلة حتى وصل إلى قوله تعالى: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا ووَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27)، [الطور: 27] فما زال يرددها حتى أذّن الفجر. وردد قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسَّاعَةُ أَدْهى وأَمَرُّ (46)، [القمر: 46]، ليلة كاملة في الصلاة. وقالت أم ولده: ما توسّد فراشا بليل منذ عرفته وإنما كان نومه بين الظهر والعصر في الصيف وأول الليل بمسجده في الشتاء.