كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

عرض القضاء عليه ووفاته:
عرض عليه الخليفة القضاء مرارا وضرب عليه وقال إني لا أصلح، قال الخليفة بل أنت تكذب أنت تصلح، فقال: أ رأيت، أنت تقول عني كذاب، فإني لا أصلح للقضاء. وكان أبو حنيفة ينقد قضاء القضاة بشدة ويبين أخطاءهم، فاتخذ المنصور هذا الموقف ذريعة للتخلص منه فعرض عليه من جديد تولي منصب القضاء فأبى ورفض فحبسه وجرى بينهما حوار قال فيه: اتق اللّه ولا ترع أمانتك إلا من يخاف اللّه واللّه ما أنا بمأمون الرضى فكيف أكون مأمون الغضب، لك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك فلا أصلح لذلك. ثم حبسه وضربه على مشهد من العامة ثم أخرج من السجن ومنع من الفتوى والجلوس إلى الناس حتى توفي. وقبل أبو حنيفة أن يعمل كأحد العمال في بناء سور بغداد تفاديا للنقمة، ولمّا أحسّ بالموت سجد فخرجت نفسه وهو ساجد عام 150 هجري وكان يردد المنصور بعد وفاة الإمام: من يعذرني من أبي حنيفة حيا وميتا.
2 - ترجمة الإمام مالك بن أنس رضي اللّه عنه:
بشارة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم به:
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
" يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة"، أخرجه الترمذي وهو حديث حسن صحيح. قال العلماء: وعالم المدينة هو مالك بن أنس وهو الذي بشر به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
ميلاده ونسبه ونشأته وطلبه للعلم:
ولد مالك بن أنس عام 93 هجري وتوفي عام 179 للهجرة. ولد في المدينة المنورة من أسرة أصلها من اليمن وكانت أسرته هذه أسرة علم، والده أنس كان عالما واسم جده مالك أبو عامر الأصبحي وكان محدّثا وراويا سمع الحديث من أبي بكر وعمر وعثمان وكثير من الصحابة رضي اللّه عنهم. ولقد روى مالك الحديث عن أبيه وجده. ويروى أنه ذات ليلة وقد اجتمع أفراد أسرة مالك على عادتهم متحلقين حول الأب يسرد عليهم بعض وقائع أيامه وأحداثه، سأل الوالد أبناءه سؤالا في الدين فأجابوه جميعا إجابات سليمة صحيحة عدا مالك الذي عجز وتلجلج وكان في العاشرة من عمره قد حفظ القرآن الكريم وشيئا من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلا أنّ عقله في مثل سنه لم يكن ليسمح له بالفهم والعلم فعجز عن الجواب فعنّفه أبوه أنس ووبخه

الصفحة 146