كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
عليه منها أربعين حديثا مع أسانيدها فقال الزهري: واللّه ما ظننت أنّ أحدا يأتيها غيري (أي لا يحفظها).
وكان الإمام مالك إذا جلس لتلقي الحديث يسجل الحديث وهو جالس ولما سئل هل أخذت من عمرو بن دينار قال لم آخذ وذلك لأني ذهبت إلى مجلسه فرأيته يحدّث والناس حوله واقفين يكتبون عنه فلم أحب أن أكتب حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا قائم لأنه كان يرى في هذا منقصة لحديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ... وتلقى الإمام مالك الفقه عن شيخه الكبير ربيعة الذي كان يلقّب" بربيعة الرأي" مع أنه كان من علماء أهل المدينة.
تفوقه العلمي وجلوسه للفتيا:
تفوّقت مكانة مالك العلمية على كل أرباب الحلقات في المسجد النبوي وعرف له الجميع هذه المكانة سواء كانوا من شيوخه السابقين أو من العلماء الذين عاصروه. جلس الإمام مالك للفتيا وكان عمره 25 سنة تقريبا على أصحّ الروايات ويقول عن نفسه: لم أجلس للفتيا حتى أمرني بالفتيا قرابة سبعين عالما، وأصبح رأيه في أية قضية تعرض أو فتواه فيها مقدّما على غيره مما جعل أصحاب الفتيا يتوقفون حتى قيل من غير حرج: (لا يفتى ومالك في المدينة!) ...
ومما اشتهر به مالك أنه كان يقول لجاريته إذا جاء الناس إلى بابه ليسمعوا العلم أن تسألهم: هل جئتم لسماع الحديث أم ابتغاء المسائل؟ فإن قالوا جئنا للمسائل خرج إليهم وسمع منهم وأفتاهم وإن قالوا جئنا لنسمع الحديث قالت الجارية تريثوا قليلا فتدخلهم إلى الدار ويدخل مالك فيغتسل ويلبس أحسن ثيابه وتحديدا البياض من الثياب ويتطيّب ثم يدخل عليهم ليروي حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وكان يبكي إذا قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
عاش مالك في المدينة المنورة ولم يبارحها (بخلاف كثير من العلماء) إلى أي جهة أخرى ليأخذ العلم من العلماء إذ إن المدينة هي دار هجرة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وكان العلماء هم الذين يرحلون إليها من جميع أنحاء العالم إما للحج أو الزيارة أو مجالسة علماء المدينة.
فكان أطيب الطّيب عند مالك ما يفوح وينتشر من قبر المصطفى صلوات اللّه وسلامه عليه وأرقّ النسيم ما يهبّ حاملا ذكريات الماضي وذكريات الوحي والنبوة والجهاد والبطولة.
وبالرغم من أنه لم يغادر المدينة إلا أنه اطلع على الظروف والبيئات المختلفة بسبب