كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
سئل عن مسألة قال للسائل أنظرني حتى أفكر، وربما يأتيه في الغد فيجيبه وربما يقول له أيضا أنظرني. ويروى أنّ رجلا جاءه من أقصى المغرب فسأله عن موضوع وقال:
جئتك من مسيرة ستة أشهر من المغرب وحمّلت هذا السؤال، فقال له مالك: قل لمن أرسلك إنه لا يدري. قال فمن الذي يعلم؟ قال: الذي علّمه اللّه ولم يجبه ولكن قال له إن شئت عد غدا ريثما أفكر بها وأقرأ ما يمكن أن يتصل بها، حتى إذا جاء الغد جاءه الرجل فقال له مالك: فكرت بها مليا ولا أدري ما الجواب! ولقد عوتب مالك في ذلك فبكى وقال: إني أخاف أن يكون لي في المسائل يوم وأي يوم. وقال لهؤلاء المنتقدين:
من أحبّ أن يجيب عن مسألة فليعرض على نفسه الجنة والنار وليتصور موقفه من اللّه غدا. فلننظر جميعا إلى هذا الرجل الذي هان عليه أن يظهر جهله وهو العالم الذي يوثق بعلمه أين نحن اليوم من موقفه هذا حيث الواحد منا إذا ما سئل اعتصر دماغه وذهنه وقد يصل به الأمر إلى أن يلفق جوابا خوفا من أن يقول عنه الناس إنه جاهل!!! وهذا الأمر وللأسف الشديد كثيرا ما يحدث مع علمائنا اليوم الذين يسارعون بالفتوى، الأمر الذي يوضح لنا الفرق بين هذا العصر وذلك العصر ولعل هذه المقارنة توضح لنا أيضا الفرق بين قرب أولئك الأئمة من رحمة اللّه تعالى وبعدنا نحن عنها، أضف إلى ذلك كله سمو أهدافهم ومقاصدهم حيث كان همّهم الأكبر هو مرضاة اللّه سبحانه وتعالى نسأل اللّه عز وجل العفو والعافية وأن يرزقنا الإخلاص وأن نحيا محياهم وأن نحشر معهم إن شاء اللّه تعالى.
وجاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض:" قال مصعب بن عبد اللّه: كان مالك إذا ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تغيّر لونه وانحنى حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك، فقال: لو رأيتم لما أنكرتم عليّ ما ترون، كنت آتي محمد بن المنكدر وكان سيد القرّاء (أي سيد العلماء) لا نكاد نسأله عن حديث إلا بكى حتى نرحمه. ولقد كنت آتي جعفر بن محمد (أي جعفر الصادق) وكان كثير المزاح والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلّى اللّه عليه وسلّم اخضرّ واصفرّ وكنت كلما أجد في قلبي قسوة آتي محمد بن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأتّعظ بنفسي أياما.
الأجواء التي كانت سائدة في عصره وعلاقته بالخلفاء:
عاش مالك في الخلافة الأموية والعباسية في عصر تسوده الفتن وكان موقفه كموقف الحسن البصري وسعيد بن