كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
المسيب الذين كانا قبله وهو موقف استنكار الفتن والدعوة إلى الابتعاد عنها وكان إذا سئل عن تلك الفتن نصح بالابتعاد عنها وبعدم الولوج فيها. وقد صح أن الحسن البصري كان ينهى عن الدعاء على أمثال الحجاج وغيره وكان ينهى عن مد اللسان في قول السوء في حقهم على الرغم من أنه لو شققنا صدر الحسن البصري لرأيناه يستنكر الكثير من أعمالهم. وقد سمع مرة الحسن البصري رجلا يسب الحجاج فقال له: لا تفعل يرحمك اللّه إنكم من أنفسكم أوتيتم، إننا نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير. وروى البصري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله المشهور:" عمّالكم عملكم وكما تكونوا يولّى عليكم"، عمالكم أي رؤساؤكم هم أعمالكم أي انعكاس لأعمالكم ... وكان الإمام مالك ممن يغشى مجالس الخلفاء ولم يكن يبتعد عنها وذلك للنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوصية بالخير فما كان يوفر جهدا ليوصي الخليفة أو ينصحه عند ما تسنح الفرصة وقد عوتب في ذلك فقال: لو لا أني أتيتهم ما رأيت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه المدينة سنّة معمول بها، فكان إذا أتاهم نصحهم لكي يحيوا سنة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وخاصة في المدينة المنورة وكانوا يستجيبون لنصيحته.
لكنه كان إلى جانب ذلك يحترم نفسه في مجالس الخليفة والولاة وكان يفرض سلطانه عليهم. وكان إلى جانب كونه مهابا كان يحافظ على عزة نفسه في هذه المجالس على خلاف عادته في المساجد حيث كان إذا دخل المسجد يقف في آخر الصف ولا يأبى أن يتقدم وإن أصرّوا على تقديمه ويجلس حيث ينتهي به المجلس وكان كثير التواضع ولكن إذا غشي مجلس الخلفاء أو الولاة فرض عزته على المجلس كله.
جاء المهدي مرة إلى المدينة واجتمع إليه الناس والعلماء وذهب مالك ليزوره فلما وصل وجد المجلس مزدحما والتفت الناس ينظرون أين سيجلس مالك يا ترى وما سيكون موقفه. فقال الإمام مالك للمهدي: يا أمير المؤمنين أين يجلس شيخك مالك؟
فتضامّ المهدي وصغّر من جلسته وقال: هاهنا يا أبا عبد اللّه إلى جانبي، فوسع له ودخل مالك وتعالى ودينه أن يهان في شخصه، الإمام مالك كان سمته سمة علم وإسلام وسمة المحافظة على الشرع لذا ينبغي لهذه السمة أن تكون هي المهيمنة وأن تكون هي العزيزة في كل مكان، فاللّه تبارك وتعالى بالقدر الذي نهانا عن الكبر أمرنا أن نعتز بالإسلام وبالقدر الذي أمرنا بالتواضع نهانا في الوقت نفسه عن الذل وجاء في دعاء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: