كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)، (الأنعام:
145) .. هذا نص صريح وواضح بعدم تحريم غير ما ذكر. وفي المقابل روي في خبر الآحاد الصحيح: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرويه أبو داود أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور. فرجّح مالك النص على الآحاد فيجوز عنده أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور وإن كان جمهور الفقهاء على الحرمة.
ملاحظة: الإمام مالك كغيره من العلماء يأخذ بالحديث الآحاد إن كان صحيحا وهو عنده حجة ولكن إذا تعارض مع نص من كتاب اللّه تعالى أو مع حديث متواتر ولم يمكن الجمع بينهما، قدّم النص من كتاب اللّه عز وجل أو الحديث المتواتر ولم يجعل حديث الآحاد يخصص النص القرآني أو الحديث المتواتر كما فعل غيره من الفقهاء كالشافعي مثلا.
ثانيا: مالك يعيش في المدينة وبصمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واضحة في هذه البلاد فعادات أهل المدينة وما يتفق عليه علماء أهل المدينة في عصره والعصر الذي قبله كلها من مخلفات النبوة لأن العهد ما بعد بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بناء على ذلك إذا وجد حديث آحاد مرويا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالسند ووجد عمل أهل المدينة على خلاف ذلك الحديث يرجّح مالك عمل أهل المدينة على ذلك الحديث، لا لأنه يرفض الحديث ولكن لأنه يعتقد أن ما أجمع عليه علماء المدينة ما أخذوه من عند أنفسهم وإنما هي وراثة ورثوها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. يقول الإمام مالك في رسالة للّيث بن سعد: إنّ أهل المدينة هم من الذين قال اللّه تعالى عنهم: والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ والْأَنْصارِ والَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ، [التوبة: 100]، وأوضح اللّه تعالى أنّ هؤلاء السابقون من المهاجرين والأنصار الذين استقر بهم المقام في المدينة المنورة ينبغي أن يتّبعوا وأن نهتدي بهديهم".
مثال ذلك، الحديث الصحيح الآتي:" المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا". الشافعي عنده التفرق هو تفرق الأبدان وعند الحنفية هو تفرق موضوع الكلام ولكن مالك يقول عمل أهل المدينة على خلاف هذا، فعلماء المدينة السبعة وعامة الناس يقولون إن العقد إذا تمّ بالإيجاب والقبول كان العقد لازما.

الصفحة 154