كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
مثال ذلك قاعدة أن الأخ الميت إذا مات وترك أخا شقيقا أي لأب وأم هذا يسمّى عصبة ويأخذ كل ما تبقى من المال مثلا إذا كان الميت ليس له إلا أخ يأخذ كل الأموال وإذا مات وليس له إلا أخ أو أخ شقيق، الأم تأخذ السدس والأخ أو الأخوة الأشقاء يأخذون الباقي. إن مات رجل وترك زوجا وأمّا وإخوة لأم وأخا شقيقا، الزوج يأخذ النصف والأم تأخذ السدس والأخوة لأم يأخذون من الثلث لم يبقى للأخ الشقيق شيء إن طبّقنا هذه القاعدة.
هنا الإمام مالك وغيره عادوا فوجدوا أنّ الأمر قد رفع إلى سيدنا عمر رضي اللّه عنه فحكم أنه ليس للأخوة الأشقاء شيء فقال الأخوة الأشقاء هب أننا إخوة لأم فقط أ لا يكون لنا؟ قال: نعم، ثم جعل الإخوة للأم والأخ الشقيق يشتركون معا في الباقي.
القاعدة على خلاف ذلك ولكن هذه الجزئية هي لمصلحة الشريعة لأن الشريعة تقتضي هذا الاستثناء.
فائدة: الحقيقة أنه ليس بين الأئمة خلاف في الأصول الشرعية فإنهم متفقون على حوالي سبعين بالمائة منها وإنما هناك خلاف في العناوين يتعلق بالفروع الجزئية ويشكّل حوالي ثلاثين بالمائة فقط وذلك رحمة بالأمة وتوسيعا عليها، فالحمد للّه أولا وآخرا الذي وفقهم أن يجتمعوا على ما اجتمعوا عليه فإن اجتماعهم هذا خير للأمّة والحمد للّه الذي ألهمهم أن يختلفوا فيما اختلفوا فيه فإن اختلافهم أيضا رحمة للأمة.
خامسا: مبدأ سد الذرائع: وهذا المبدأ مأخوذ من قوله تعالى: ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108)، (الأنعام: 108) .. " ولا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ "، الأئمة كلهم يأخذون بهذا المبدأ ولكنهم يختلفون بالمقدار الذي ينبغي أن يأخذوا به، مثال ذلك سب المؤمن لدين كافر أو لمن يتخذه إلها بزعمه أصله مباح ولكن إذا كان هذا العمل المباح ينتج عنه عمل محرّم فيسب الكافر اللّه تعالى عندها يصبح هذا العمل المباح في أصله محرما لا لذاته ولكن لما قد ينتج عنه وهذا ما يسمّى بمبدإ سد الذرائع.
ومثال ذلك أيضا، إطالة السهر مباح أيضا ولكن إن كان هذا سيمنعك عن أن تستيقظ لصلاة الصبح تحوّل المباح إلى محرّم وهذا باتفاق الأئمة.