كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
مثال آخر، بيع السلاح في أصله مباح ولكن إذا علمت أنّ هذا يأخذ منك سلاحا ليؤذي به الآخرين أو كان وقت الفتنة فلا يجوز.
سادسا: المصالح المرسلة: رائدها في الشريعة الإمام مالك.
جاءت الشريعة لتحقيق خمسة أنواع من المصالح وهي على هذا الترتيب: الدين، الحياة، العقل، النسل أو العرض والمال. كل الأئمة الأربعة أخذوا بها.
المصالح المرسلة هي أن يرى العالم الفقيه أمامه مصلحة حديثة العهد طارئة، لم تكن موجودة من قبل تقتضي حكما شرعيا ولكن هذا الفقيه لا يجد عليه (أي على الحكم الشرعي) دليلا من القرآن أو السنّة ولا يجد دليلا على حكم يشبهه للقياس لا سلبا ولا إيجابا، فما العمل؟ يقول مالك: أنا أعود بهذه المسألة في الحكم إلى جنس هذه المصلحة التي يحققها الحكم، ننظر هل هي واحدة من هذه المصالح الخمس التي جاءت الشريعة بحمايتها ورعايتها؟ فإن كانت واحدة من هذه المصالح وكان الأخذ بها لا يفوّت مصلحة أهمّ منها يقول مالك أنا أجتهد على وفق هذه المصلحة. وهذا باب عظيم في الاجتهاد وسنورد في ما يلي بعض الأمثلة والنماذج لتوضيح الصورة:
1 - منع عمر بن عبد العزيز الناس أن يشتروا أراض في منى وأن يبنوا عليها بيوتا لهم لأن ذلك سيضيق على الحجّاج مع أنه لا يوجد نص في ذلك ولكن من باب المصالح المرسلة أصدر عمر بن عبد العزيز أمره هذا (وهو ما يسميه الحنفية مقاصد الشريعة).
2 - قال الإمام مالك لو أنّ صبيانا يلعبون ويتشاجرون ويمزّق أحدهم ثوب الآخر أو يتلف متاعا (يكسر زجاج منزل أو سيارة مثلا) فالوالد (أي أبو الولد الذي سبب الضرر) يضمن (أي يدفع تعويضا عن الضرر الحاصل) وإن لم يكن الولد بالغا. ولكن هنا الشهود كلهم أولاد والقاعدة أنّ الشهادة لا تصحّ إلا من بالغ كبير. ما ذا نفعل إذا تركنا القضية هكذا؟ طبعا ستقع مفاسد كثيرة. المصلحة المرسلة هنا التي تتوخاها الشريعة هي أن نقبل شهادة الصبيان بعضهم على بعض في أمور إجرائية من هذا القبيل.
3 - تدوين قواعد اللغة العربية والمجامع الفقهية والمؤتمرات كلها أشياء حسنة تخدم مصلحة الدين ...
سابعا: العرف: إنّ العرف في الشرع له اعتبار فيما لم يرد فيه نص أو كان الأمر غامضا، والأئمة كلهم متفقون على ذلك. يقسم مالك العرف إلى قسمين: عرف قولي عرف فعلي أو سلوكي (فقط في العقود).