كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
مثال على العرف القولي: كلمة اللحم، فلو أنّ رجلا أقسم أن لا يأكل لحما، ننظر ما ذا تعني كلمة اللحم في عرفهم أحيانا تطلق ويقصد بها لحم الضأن (الخروف) وفي بعض الأعراف تطلق ويقصد بها لحم البقر وفي بعض الأعراف يقصد بها لحم السمك.
فإذا يقع القسم على ما هو معروف عندهم إلا إن قصد كل اللحم ساعتئذ تكون النية مقدّمة على دلالة العرف.
مثال آخر على العرف القولي: لو نذر فلان أن يتصدّق بكل ما في جيبه من دراهم وكانت الدراهم في عرفهم تطلق على عملة البلاد فلا يجب عليه أن ينفق من العملات الأخرى إن وجدت في جيبه إلا إن نوى غير ذلك.
أما العرف السلوكي فهو مثلا أن يعقد فلان على فلانة دون أن يتفقا على موعد لدفع المهر وكان العرف أن يدفع قبل الدخول ساعتئذ يكون هذا هو الحكم.
ولو اشترى أحدهم سيارة مثلا ولم يشترط أن تكون مكيّفة والبائع لم يشترط ذلك فاختلف المشتري والبائع، ننظر إن كان العرف أن تكون غير مكيفة كما في بلادنا فالحق مع البائع أما إن كان العرف أن تكون مكيفة كما في بلاد الخليج فيكون الحق مع المشتري.
قاعدة: المعروف عرفا كالمشروط شرطا
يقول الإمام مالك إن النصوص القرآنية ونصوص السنّة إنما تفسّر على ضوء العرف القولي في عصر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وهكذا فالعرف القولي مفتاح هام وخطير جدا لفهم النصوص.
ونضرب على ذلك مثلا ما جاء في الصحيح أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إن زكاة الفطر هي صاع من غالب قوت البلد. كلمة صاع عبارة عن مكيال معيّن هذا المكيال يتغير من بلد إلى بلد ومن عصر إلى عصر، فالصّاع في العراق كان غير الصاع في مصر غير الصاع في المدينة ... فإذا نحن نفسر ذلك بما كان معروفا عند ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذا الحديث في المدينة.
مثال آخر كلمة النبيذ كانت تعني أو يقصد منها شراب مكوّن من الماء والتمر ولا يقصد بها النبيذ المسكر المعروف في عصرنا وقد شرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النبيذ وهذا كان سبب الإشكال الذي وقع فيه الكثير من المستشرقين عند ما قرءوا كتب التاريخ فوجدوا أن هارون الرشيد كان يشرب النبيذ وظنوه من السكارى.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:" إنّ من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون"، وفي