كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

حديث آخر" كلّف أن ينفخ فيه الروح وما هو بنافخ"، هنا نفسر المصوّر حسب العرف الدارج في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبهذا لا يشمل الحديث الصور الفوتوغرافية والمرايا وانعكاس الضوء فيكون حكم هذه الأشياء الجواز علما أن الإنسان له أن يبتعد عن هذه الأمور من باب الورع ولكن هذا لا ينفي جوازها وعدم حرمتها فالورع أمر والجائز أمر آخر. وبالطبع فالشيء المصوّر له حكم آخر إن كان صورا لفتيات عاريات لا خلاف في أنه حرام قطعا.
أما الدليل الشرعي للأخذ بالعرف أن اللّه تعالى أمرنا بكثير من الآيات أن نحتكم إلى العرف بقوله تعالى: وامُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (199)، أي اجعل العرف أساسا ... قالت هند زوجة أبي سفيان يوم فتح مكة وكانت تبايع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن لا تسرق ولا تزني، قالت له: لقد كنت آخذ من مال أبي سفيان الهنة تلو الهنة (أي الشيء القليل دون علمه)، ما ذا أصنع؟ فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المستقبل:" خذي ما يكفيك وأولادك بالمعروف".
مثال آخر: قال اللّه تعالى * والْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ، قال الإمام مالك إن كانت المرأة من الأغنياء أو كانت شريفة (العادة عندهم أن النساء الأغنياء لا يرضعن) ساعتئذ لا يجب عليها الإرضاع ولكن هو حق لها، أما إن كانت غير ذلك فهو واجب عليها، لأن ذلك لم يأت بصيغة الأمر الجازم كقوله تعالى: وعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَ، [البقرة: 233].
قاعدة: إن النص يهيمن على العرف ولا يهيمن العرف على النص.
ونأخذ بالعرف فقط في الأمور التي علّقها النص على العرف، أما ما ورد فيه نص فلا يغيّره العرف حتى لو ترك أهل بلد ما جميعا العمل بحكم شرعي، يبقي الحكم الشرعي كما هو. فلا نقول إنّ العرف السائد اليوم هو عدم ارتداء الحجاب مثلا خلافا للعرف قديما وأن الزمن قد تغير، فلو كان الأمر هكذا ما كان للشريعة الإسلامية معنى إذا كنا دائما نحتكم إلى العرف فقط دون النص.
أسباب انتشار مذهب الإمام مالك:
شاع مذهب الإمام مالك في المغرب كثيرا مع أن مالكا لم يترك المدينة وذلك لأن المدينة كانت تستقطب أناسا وعلماء كثر أيام الحج وفي غير أيام الحج ... ومن الأسباب التي ساهمت على انتشار مذهب الإمام مالك دون

الصفحة 159