كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
الفصل الثاني الاقتصاد في الإسلام
إن ما يشهده العالم من ظلم اقتصادي لفئات كبيرة من المجتمع البشري يؤكد ضرورة ملحة ألا وهي كيفية تكوين نظام اقتصادي يجعل العدالة هي السمة الأبرز لتكوينه، ويطرد كل الأفكار التي من شأنها أن تكون دولا غنية وأخرى فقيرة أو على الأقل أن يكون الفرق بسيطا مقبولا وليس ساحقا للغالبية الفقيرة.
إن أهم مبدأ جاء به التشريع الاقتصادي الإسلامي هو إزالة تلك الهوة بين الفريقين الأغنياء والفقراء ومحاولة تقليصها قدر الإمكان. يقول اللّه تعالى: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا واتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (7)، (الحشر: 7). أي لكي لا تكون الغنائم محصورة بين مجموعة الأغنياء فقد شرع التوزيع للجميع دون استثناء، فالمبدأ إذن منع الاحتكار المالي والسلعي كي لا يحصل الخلل والمن ثم المظالم والمآسي التي تؤدي إلى الاقتتال من أجل المال. وإنك لتجد في التشريع الحنيف ما أغنانا عن ذكره الكثير من الباحثين والمتخصصين في هذا الشأن المهم، وما ذكر في الكتب والمؤلفات والمجلدات ما يجعلنا نبتعد عن التفصيل ونقترب من الاختصار. دائما ما يحث الإسلام وكتابه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الناس على التكامل والتكافل الاقتصادي، وينهاهم عن الاحتكار والغش والسحت والسرقة وأكل مال اليتيم واليمين الفاجر والربح الفاحش وغير ذلك من القيم الرائعة في التعامل التجاري والاقتصادي بين الأفراد والدول، كما شرعت الزكاة وجعلت من دعائم النظام الإسلامي لما لها من أثر إيجابي على المجتمع، وكذا والصدقات والمكوس ونظم بيت المال للحفاظ على التوازن بين الغني والفقير في الأمة. وقد فرض على الأغنياء ما يغني الفقراء وهدد الممانعون بأشد العقاب في الدنيا والآخرة لأن الفقر كاد أن يكون كفرا، كما جعل الدّين ثقيلا على النفس لأنه يمنع الحي من الراحة والميت من نيل الأجر حتى يسدد عنه دينه. وقد طبق كل ذلك في عهود كثيرة وأثبت نجاحه وتميزه.