كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

ذلك أمسك من القراءة.
تحصيله وطلبه للعلم:
كانت أمه قد وجّهته لإتقان القراءة والتلاوة والتفسير على شيوخ المسجد الحرام ولم يكد يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتى أتقن ذلك إتقانا جيدا ملفتا للنظر. ثم اتجه الشافعي إلى علم الحديث فلزم حلقة سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد الزنجي في المسجد الحرام. وكان الورق غالي الثمن باهظ التكاليف والشافعي وأمه في قلة وفقر فكيف يفعل في التدوين؟ يروى أنه كان يلتقط العظام العريضة فيكتب عليها أو يذهب إلى الديوان فيجمع الأوراق المهملة التي يلقى بها فيستوهبها ويكتب على ظهرها. هذه المعاناة وفقته إلى أن يعتمد على الحفظ فتكوّنت لديه حافظة قوية ساعدته مستقبلا على حفظ كل ما يسمع وما يلقى إليه من علم ومعرفة.
وبذكائه وملاحظته أدرك الشافعي أنّ لغة قريش قد دخلتها ألفاظ غريبة ولم يعد لسانها هو اللسان العربي السليم في فصاحته وبيانه، وعلم أنه لا يستطيع أن يجيد علوم القرآن والحديث واستخراج الأحكام من النصوص إلا إذا أتقن اللغة العربية الصحيحة.
وكان يحضر في المسجد الحرام دروس إمام مصر الليث بن سعد حين يأتي حاجا أو معتمرا وكان يوصي مستمعيه أن يتقنوا اللغة وأسرارها وأن يتعلموا خاصة كلام هذيل وهم قبيلة في البادية وأن يحفظوا أشعارهم لأن هذيل أفصح العرب. انطلق الشافعي إلى مضارب هذه القبيلة فأقام في ظهرانيهم ولازمهم عشرة أعوام عكف خلالها على دراسة اللغة وآدابها وحفظ الشعر (حفظ أكثر من عشرة آلاف بيت) كما تعلّم الرماية والفروسية وبرع فيهما. وروى الشافعي عن نفسه فقال: كانت همّتي في شيئين، في الرمي والعلم فصرت في الرمي بحيث أصيب عشرة من عشرة". وسكت عن موضوع العلم تواضعا علما أنه في العلم أكثر من ذلك. عاد إلى مكة وهو يحمل ثروة هائلة من شعر وأدب العرب حتى قال الأصمعي - راوية العرب المشهور - " صحّحت أشعار الهذليين على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس". وأصبح الشافعي حجة عصره في اللغة. وعاد إلى مكة ليتعلّم عند علمائها من أتباع عبد اللّه بن عباس وجعفر الصادق.
وكان الإمام سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا الغلام.
وكان الشافعي يوما يحضر مجلس ابن عيينة فحدّث ابن عيينة بحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان معتكفا، فأتته صفية، فلما ذهبت ترجع مشى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم معها فأبصره رجل

الصفحة 163