كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

لحظات حتى وصل مالك وفاح ريح الطيب في أرجاء المسجد وجلس مالك على كرسي أعدّ له وأخذ يلقي المسائل على التلاميذ المتحلقين حوله ومن بينهم وفي زحمتهم الشافعي الذي لا يكاد يراه مالك. سكت الحاضرون ولم يجيبوا على مسائل مالك فتضايق الشافعي ثم أوحى بالجواب إلى الذي بجواره وكذلك بجواب آخر وآخر، مالك يلقي المسألة وجار الشافعي يجيب، ثم سأله مالك متعجبا: من أين لك هذا العلم؟ فقال إنّ بجانبي شابا يقول لي الجواب وإذا هو الشافعي فتلقاه مالك بالترحاب والحفاوة والسرور وقال له: أتمم أنت هذا الباب وهذه إجازة من مالك للشافعي بالفتيا. فلما كان عام 179 توفي مالك وبكاه الشافعي بكاء حارا. وكان الشافعي يعاني من الفقر ولا يبالي في سبيل إقباله على العلم والدراسة فلما توفي مالك شعر بفراغ فالتفت يبحث عن عمل وكان قد وصل إلى قمة الشباب، فبحث له بعض القرشيين عن عمل في اليمن بواسطة والي اليمن، فأعطي عملا جيدا في نجران دون مستوى المحافظ بشيء قليل.
اتهامه بخيانة الخلافة العباسية:
في اليمن تنامت ثروة الإمام الشافعي العلمية بالتعرف على فقه إمام مصر الليث بن سعد الذي كان تلامذته منتشرين هناك. ولكن والي مدينة نجران تحفّظ عليه فوشى إلى هارون الرشيد بشأنه وشأن عدد من الناس معه كان مجموعهم عشرة وكانت الخلافة العباسية آنذاك تحسب حسابا للشيعة لا سيما العلويين - أي أسرة وذرية سيدنا علي رضي اللّه عنه - ذلك لأن الخلافة العباسية قامت على سواعد الشيعة أي المتشيعين والمناصرين لعلي رضي اللّه تعالى عنه وأرضاه، إلا أنّ العباسيين تنكروا لهم بعد قيام الخلافة. لذا كانت الخلافة العباسية دائما تخشى من ثورة العلويين عليهم. وكان والي نجران قد اتّهم الشافعي بأنه يحرّض العلويين على الثورة. وسيق إلى هارون الرشيد مكبّلا بتهمة خيانة الدولة وكانت عقوبة هذه الخيانة القتل. دخل الشافعي ثابت الفؤاد على الخليفة ينتظر الحكم عليه وهو يردد:" اللّه يا لطيف ... أسألك اللطف فيما جرت به المقادير". قال الشافعي للخليفة: السلام عليك يا أمير المؤمنين وبركاته (دون أن يلفظ ورحمة اللّه). فردّ عليه الرشيد: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته، ثم أضاف فقال: بدأت بسنّة لم تؤمر بإقامتها، ورددنا عليك فريضة قامت بذاتها ومن العجب أن تتكلم في مجلسي بغير أمري أو إذني. فقال الشافعي: إنّ اللّه تعالى قال:" وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ

الصفحة 166