كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً"، وهو الذي إذا وعد وفّى، فقد مكّنك في أرضه وأمّنني بعد خوفي ... حيث رددت عليّ السلام بقولك وعليك رحمة اللّه، فقد شملتني رحمة اللّه بفضلك. فقال الرشيد: وما عذرك بعد أن ظهر أنّ صاحبك - يعني الثائر العلوي - طغى علينا وبغى واتّبعه الأرذلون وكنت أنت الرئيس عليهم؟ فقال الشافعي: أما وقد استنطقتني يا أمير المؤمنين فسأتكلم بالعدل والإنصاف ولكن الكلام مع ثقل الحديد صعب، فإن جدت عليّ بفكه أفصحت عن نفسي وإن كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى واللّه غني حميد. فأمر الرشيد بفك الحديد عنه وأجلسه، فقال الشافعي: حاشا اللّه أن أكون ذلك الرجل، ولكن قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، [الحجرات: 6] لقد أفك المبلّغ فيما بلّغك. وإنّ لي حرمة الإسلام وذمة النسب وكفى بهما وسيلة وما أنا بطالبيّ ولا علوي وإنما أدخلت في القوم بغيا عليّ. أنا محمد بن إدريس، وأنا طالب علم. فقال الرشيد: أنت محمد بن إدريس؟ قال: نعم، ثم التفت إلى محمد بن الحسن الشيباني وسأله: يا محمد ما يقول هذا؟ أ هو كما يقول؟ قال محمد بن الحسن: إنّ له من العلم شأنا كبيرا وليس الذي زعم عليه من شأنه (معلوم أنه بين العلماء المخلصين نسب أقوى من الرحم). وكأنّ اللّه تعالى وضع هذه المحنة التي انزلق فيها الشافعي من أجل أن يعيده عز وجل من عمل الدنيا إلى عمل الآخرة وهذا واضح جدا وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ولكن هذه الحقيقة لا تظهر إلا آخرا عند ما يكون الإنسان في طور المفاخرة وأمّا في طور الحكم الإلهي فيكون كالغائص في جوف البحر لا يعلم إلا من وثق بعلم اللّه سلفا.
لذا ينبغي للمسلم أن يراجع نفسه كل فترة من الزمن ويحاول أن يتذكر ما هي الأشياء التي حصلت معه في الماضي وظنها حينذاك شرا وإذا بها مع مرّ السنين الخير كله، ذلك يفيد الإنسان بزيادة ثقته باللّه تعالى فإنّ أكثر المعاصي والإحباطات إنما هي ناتجة عن عدم الثقة باللّه وعدم المشاهدة له دائما عز وجل (ثقة عين اليقين).
موقف الشافعي من الإمامة والخلافة:
كان الشافعي على عقيدة جمهور أهل السنة والجماعة وكان يستدل على أنّ أولى الناس بالخلافة هو أبو بكر رضي اللّه عنه بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ امرأة جاءت إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تسأله في أمر فقال لها ارجعي فيما