كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
بعد، فقالت: فإن لم أجدك؟ فأمرها النبي عليه الصلاة والسلام أن تأتي أبا بكر، أي إن ذهبت وعادت وكان الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قد توفي فعليها أن تأتي إلى أبي بكر.
إقامته في العراق:
وبقي الشافعي في العراق فتعرّف على محمد بن الحسن ووطّد صلته به وعاد وتفرغ للعلم وترك الدنيا والعمل فيها ... يقول الشافعي:" أخذت من محمد بن الحسن وقر بعير (أي حمل بعير) من سماعه عن أبي حنيفة، أي لو جمعت العلم الذي أخذته منه في كتب فإن هذه الكتب تبلغ حمل بعير وكل ما فيها ليس فيه شيء من عندي، كله أخذته سماعا من محمد بن الحسن". انظروا إلى تواضع الشافعي الذي ما حال بينه وبين هذه الكلمة المكانة العالية التي تبوّأها قد تقدّم ربما على محمد ابن الحسن وهو المجتهد المطلق ما قال في نفسه ما ذا سيقول عني الناس لو سمعوا أني تلميذ محمد بن الحسن. وهذا من باب ذكر فضل أهل الفضل. وقد ملأ الشافعي كتابه" الرسالة" مناقشات طريفة جدا بينه وبين محمد بن الحسن الشيباني ملئت علما. وكان محمد بن الحسن يقدره تقديرا عظيما ولا يؤثر على مجلسه مع الإمام الشافعي أي مجلس. وقد حصل أن اتفق يوما أنّ الإمام الشافعي كان ذات مرة متجها إلى بيت محمد بن الحسن ليتدارس معه العلم وليأخذ منه ولكن محمد بن الحسن كان متجها إلى الموعد الذي كان قد ارتبط به مع الخليفة، فآثر مجلس الشافعي وتخلّف عن مجلس الخليفة.
وقد لبث الشافعي في العراق زهاء عامين عاد بعدها إلى مكة وأخذ يدرس في الحرم المكي، وهذه فترة ازدهار علمه، منذ هذا العهد بدأ الشافعي يصب كل تفكيره ويعمل كل فهمه في تدوين الفقه وأصوله أي بدأ في تدوين موازين الاجتهاد وأصول استنباط الأحكام من نصوص القرآن والسنّة حتى تجتمع العقول المختلفة على هذه الموازين.
فالقرآن والسنة كل منهما ملىء بالأحكام ولكن كيف نفهمهما، ما هي قواعد الفهم، ما هي قواعد الدلالة العربية التي على أساسها نستنبط الأحكام من القرآن ومن السنة؟ هذا ما بدأ يشغل بال الشافعي فوضع وخطط لهذا العلم وهو علم جديد لم يكن موجودا من قبل هو" علم أصول الفقه" ... بقي الشافعي في مكة تسع سنوات يجمع هذه القواعد ويدونها وينسجها وقبل ذهابه إلى مكة كان قد زار مسجد الإمام الأعظم أبي حنيفة وهناك صلى الفجر على مذهب الإمام (أي أبو حنيفة) مخالفا مذهبه في الحركات والقنوت وما إلى ذلك، ولما سئل عن ذلك قال: إني فعلته أدبا مع الإمام أبي حنيفة أن