كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
أخالفه في حضرته. انظروا إلى أدب علمائنا بعضهم مع بعض.
تأليفه لكتابه" الرسالة" وأهميته:
أصبح من عادة الشافعي أن يجلس في الحرم عند بئر زمزم حيث كان يجلس الصحابي الجليل شيخ المفسرين عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما ... وبدأ يؤلف في مكة كتابه" الرسالة"، وكان صيته العلمي في هذا الوقت يطبق الآفاق في مختلف أنحاء البلاد ومقاطعات الدولة الإسلامية الشاسعة، فيأتيه طلاب العلم والمعرفة من أقصى الأماكن وكان من هؤلاء أحمد بن حنبل الذي كان تلميذا للإمام ابن عيينة إمام الحديث في عصره في المسجد الحرام. وابن عيينة كان يروي جلّ أحاديثه عن الزهري وهو أعلى الأسانيد، فكان الناس يغشون مجلسه. ولكن الإمام أحمد لما علم بمجلس الشافعي وسمع منه ترك مجلس ابن عيينة وأصبح يغشى مجلس الشافعي فلما سئل عن ذلك قال: إنك إن فاتك الحديث بعلوّ تجده بنزول ولا يضرك ذلك أما إن فاتك عقل هذا الفتى - يقصد الشافعي - فإني أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أحدا أفقه بكتاب اللّه تعالى من هذا الفتى القرشي. وكان أحمد يقول:
كان الفقه مقفلا على أهله حتى فتحه اللّه للإمام الشافعي. قال الحسن بن محمد الزعفراني: كنا نحضر مجلس بشر المريسي المعتزلي القدري المناظر البارع وكنا لا نقدر على مناظرته فسألنا أحمد بن حنبل فدلّنا على الشافعي، فسألناه شيئا من كتبه فأعطانا كتاب اليمين مع الشاهد فدرسته في ليلتين ثم غدوت على بشر المريسي وتخطّيت إليه فلما رآني قال: ما جاء بك يا صاحب الحديث؟ قال الحسن الزعفراني: ذرني من هذا، ما هو الدليل على إبطال اليمين مع الشاهد؟ فناظرته فقطعته فقال: ليس هذا من كيسكم، هذا من كلام رجل رأيته بمكة معه نصف عقل أهل الدنيا. وكان بشر المريسي لما رأى الشافعي المفتي في مكة يحدّث قال لأصحابه المعتزلة: إني لا أخاف عليكم من أحد ولكني أخاف عليكم من هذا الفتى فإنّ معه نصف عقل أهل الدنيا.
والذي يدعو إلى الإعجاب أن يكون الشافعي كتب هذه الرسالة في أصول الفقه وهو شاب وكان قد طلبها منه إمام المحدّثين في بغداد لكي يستفيد منها هو وغيره من كبار العلماء في كيفية فهم النصوص. ولما كتب الشافعي الرسالة ووصلت إلى إمام المحدثين في بغداد، جعل يتعجب ويقول: لو كانت أقل لنفهم ... وقال الإمام المزني: قرأت الرسالة خمسمائة مرة، ما من مرة إلا واستفدت منها فائدة جديدة. وفي رواية عنه قال: أنا أنظر في