كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

الناحية الاقتصادية في نظام الحكم الإسلامي تستند على مسألتين، الأولى هي كيفية أخذ الدولة للمال من الأمة، والثانية كيفية إنفاقه. أما الأولى، فكانت الدولة الإسلامية تأخذ الزكاة على الأموال والأراضي وعروض التجارة والمواشي والزروع والثمار، باعتبار أن الزكاة عبادة، لتقوم بتوزيعها على مستحقيها من الأصناف الثمانية المقررة شرعا، كما تأخذ الخراج والجزية وضرائب الجمارك بحكم إشرافها على التجارة في الصعيدين الداخلي والخارجي، وكانت تقوم على إدارة ما هو داخل في الملكية العامة أو ملكية الدولة كالمعادن والقنوات وغيرها من موارد بيت المال. أما من حيث إنفاق هذه الأموال فإنها توزعها حسب الأحكام الشرعية، وقد طبقت أحكام النفقة على العاجز وحجزت على السفيه والمبذر، وأوجدت أماكن الفقراء والمعسرين، ونفذت أحكام العمل والعمال، ومنعت الاحتكار والغش والاستغلال والرشاوى وكل وسائل الكسب غير المشروع. ومن الحق أن نقول إن بعض الحكام كانوا يسيئون تطبيق أحكام الشرع في هذه الناحية، وكان البعض الآخر يحسن غاية الإحسان في رعاية هذه الناحية، تبعا لنفسية الحاكم ومدى التزامه بالأحكام الشرعية، وموقف الأمة منه وخصوصا العلماء، فإذا حصل لبعض الحكام أن يقصر ويسيء فلا يعني هذا عدم التطبيق «1».
لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل هذا العلم الواسع وعظمة التشريع الإسلامي في الزكاة والصدقات والتدابير الاقتصادية الإسلامية العظيمة الأخرى والتي تحتاج إلى مجلدات كثيرة لتفصيلها وهذا يترك لأهل الاختصاص «2». إلا أنني سأركز على أمر غاية في الخطورة بل هو أخطبوط مرعب التهم العالم كله بسبب نظام اقتصادي غير عادل حذر الإسلام منه أيما تحذير ألا وهو (الربا).
الربا لغويا هو مطلق الزيادة والنمو، وهو حسب ما فصله الإمام الرازي رحمه اللّه في مختار الصحاح: (ربا) الشيء زاد وبابه عدا. والرابية ما ارتفع من الأرض وكذا
______________________________
(1) الإسلام بين العلماء والحكام، الشيخ الشهيد عبد العزيز البدري، ألفه عام 1385 ه - 1965 م.
مطبعة أنوار دجلة، بغداد، 1424 ه - 2003 م، ص 13 - 14.
(2) بإمكان القارئ الكريم الرجوع إلى مصادر مهمة في النظام الاقتصادي الإسلامي، وأفضل كتاب (المعاملات المالية المعاصرة في ميزان الفقه الإسلامي)، للمؤلف الدكتور علي أحمد السالوس لأهميته وأسلوبه المميز.

الصفحة 17