كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

الرسالة من خمسين سنة، ما أعلم أني نظرت فيها مرة إلا واستفدت شيئا لم أكن عرفته.
كتاب" الرسالة" هو مقدمة ضخمة لكتابه" الأم" مثل مقدمة ابن خلدون لكتابه" تاريخ الأمم والملوك"، ومقدمة ابن خلدون ليست كتابا مستقلا وإنما هي مقدمة لموسوعة تاريخية ولأهمية هذه المقدمة طبعت طبعا مستقلا وافردت باسم مستقل وأصبحت مقدمة ابن خلدون اسم مستقل تماما، وكذلك كتاب" الرسالة" فهو في أصله عبارة عن مقدمة كبيرة وواسعة جدا لكتاب" الأم" وهو عبارة عن سبعة أجزاء، إلا أنّ" الرسالة" فيما بعد أفردت بالطباعة وأصبحت عبارة عن كتاب مستقل لأنه يحوي علما مستقلا، وقد تضمّن ما يلي:
أولا: بيان أنّ أي علم شرعي لا بد أن يدور على فلك نص مأخوذ من الكتاب أو السنّة. ثم أكّد أهمية وحجية حديث الآحاد (وحديث الآحاد هو الحديث الذي يرويه صحابي واحد أو اثنين أو ثلاثة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم) وقد ذكرنا طرفا من ذلك من قبل، واستدلّ على حجية الآحاد بأدلة كثيرة منها:
- أنّ اللّه تعالى حينما أنزل في القرآن الكريم تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة المكرمة، جاء صحابي وأخبر الصحابة الذين كانوا يصلّون في مسجد ذي القبلتين فاستداروا وهم في الصلاة، فإذا أخذوا بخبر الواحد!.
- حينما أنزل اللّه تعالى آية تحريم الخمر، أخبر صحابي باقي الصحابة بذلك، فانتهوا وألقوا خمورهم.
- إنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعث معاذ رضي اللّه عنه إلى اليمن ليبلّغ عنه ولقد أخذ عنه أهل اليمن.
- إن اللّه عز وجل قد أمرنا أن نأخذ بقول الشاهدين وهما من الآحاد.
وهذا الأمر أي حجية حديث الآحاد لم يخالف فيه أحد من الأئمة الأربعة وإنما اختلفوا في نسخ الآحاد للقرآن أي هل ينسخ حديث الآحاد حكم آية من كتاب اللّه تعالى وهل يخصص هذه الآية أم لا؟ ...
ثانيا - وكان قد ظهر في عصر الشافعي من يدّعي أنه يأخذ بالقرآن الكريم وحده ويدع العمل بالحديث الآحاد وهم من الزنادقة، فردّ عليهم الشافعي ردا مفحما وسمّي بذلك" نصير السنّة النبوية" ... ثم عقد الشافعي بابا سمّاه" الدلالات" أي كيف تدل

الصفحة 170