كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

النصوص على معانيها سواء كان المفهوم الموافق أو المفهوم المخالف وكيف نستخرج قواعد القياس على نص في كتاب اللّه تعالى ... وأوضح البيان، أي كيف يمكن أن يكون القرآن بعضه بيانا لبعض وأنّ النص قد يكون عامّا وقد يكون خاصا وقد يكون مطلقا وقد يكون مقيّدا. والنص المطلق يمكن أن يأتي نص آخر في المعنى ذاته فيقيّده ويفسّره ... وأوضح أيضا فيما إذا كان يمكن للسنّة أن تخصص القرآن العام أو أن تقيّده وهل يصح العكس ...
وباختصار كتاب" الرسالة" هو عبارة عن مفاتيح لكيفية فهم الأحكام من النصوص. وقد كان المجتمع آنذاك يفتقر إلى هذا العلم ولم يكتب فيه أحد قبلا، صحيح أنّ الإمام أبو حنيفة والإمام مالك كل منهما بنى فقهه على أصول ومبادئ ولكن هذه المبادئ لم تسجّل ولم يصرّح بها كلها بل إنّ تلامذتهما هم الذين استنبطوا الأصول من فروع المسائل. والذي أعان الشافعي على هذا العلم علم استنباط الأحكام من النصوص فضلا عن كونه عالما بالفقه والحديث وبلوغه درجة قصوى من الذكاء، هو أنه عاش في البادية عشر سنوات حيث أخذ الطبيعة العربية والسليقة العربية من ينبوعها، فكان يعلم كيف يفهم الرجل العربي الجملة وكيف يأخذ المعنى إثر المعنى من الجملة الواحدة، ومما جعل من الشافعي حجة في اللغة.
عودة الشافعي إلى العراق:
عاد الشافعي إلى العراق وأقبل العلماء جميعا من شتى المذاهب على كتاب" الرسالة" وأعجبوا به أيما إعجاب وكان الشافعي يشرح ويناقش هذه القواعد. وكان الشافعي يضرب في طول البلاد وعرضها في سبيل أن ينقل علم الحجاز إلى العراق وبالعكس ويجمع الكل تحت مظلة هذه القواعد، فلقد تنبّه إلى ثغرات علماء العراق وهي أنهم كلما فقدوا النص استنجدوا بالرأي واستحسنوا ومالوا إلى ما تطمئنّ إليه نفوسهم ولكن على أي أساس؟ وعلى أي قاعدة؟ وما هو المقياس الذي يوضح الرأي المتفق مع شرع اللّه تعالى وحكمه والرأي المتنكر عن شرع اللّه تعالى وحكمه؟ لا يوجد! إذا هذه هي الثغرة التي يعاني منها أهل العراق. أما أهل الحجاز فلاحظ أنهم يأخذون بالنص دون أن يتوغلوا في فهم طرق دلالته وقوانين هذه الدلالة. إذا رأوا نصا في كتاب اللّه تعالى أو سنة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تصوّروا ضرورة تطبيق هذا النص دون التأمل في كيفيته وأسلوبه، وهذه هي ثغرتهم، فكان كتاب الرسالة سدا لثغرة أهل الحديث فتقبله

الصفحة 171