كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

اليونانية. واستغل هذه الصلة أحمد بن أبي ذؤاد المعتزلي المتعصب وراح يكلم المأمون ويتودد إليه حتى عيّنه وزيرا خاصا له ومستشارا. الإمام أحمد كما سبق وذكرنا، كان بعيدا عن الفلسفة وعن الاعتزال وفي هذه الأثناء قال المعتزلة بخلق القرآن أي أنّ القرآن حادث مخلوق وليس كلام اللّه الأزلي القديم وتبنى المأمون هذا القول. وفي عام 218 ه أرسل كتابا إلى نائبه في بغداد وهو إسحاق بن إبراهيم يوضح فيه هذا القول مدعوما بالحجة العلمية المفصلة على زعمهم. والواضح أنّ هذا لم يكن من كلام المأمون ولكن من كلام وزيره خاصة والمعتزلة عامة. وأمر المأمون إسحاق أن يجمع كل العلماء ويقنعهم بأنّ القرآن مخلوق وأمره أن يقطع رزق وجراية كل من لم يقتنع بهذا. امتثل إسحاق بادئ ذي بدء لهذا الأمر فجمع كل العلماء من أهل السنّة وهددهم بقطع أرزاقهم ومنع الجراية عنهم إن هم لم يقتنعوا، وأرسل إلى المأمون بأجوبة هؤلاء التي تتضمن رفض هذا القول.
فأرسل المأمون ثانية أمرا بقطع أرزاق من لم يقتنع وإرساله إليه مقيدا بالأغلال تحت تهديد القتل. وكان الإمام أحمد من بين الثلة التي رفضت أن تقتنع ولم تتراجع، فقيّدوا جميعا بالأغلال وذهب بهم إلى طرطوس. وفي الطريق تراجع البعض خوفا ومات البعض الآخر ولم يبق إلا أحمد الذي جاءه خادم المأمون وقال له: إنّ المأمون أقسم على قتلك إن لم تجبه. ولكن أحمد رفض التراجع عن الحق وبينما هو في الطريق لا يفصله عن المأمون إلا ساعات من السّير، إذ جثى على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء ودعا بهذه الكلمات: سيدي غرّ حلمك هذا الفاجر حتى تجرّأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فألقنا مؤنته. توفي المأمون قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس فأعيد الإمام أحمد وأودع السجن ريثما تستقر الأمور. وجاء بعد ذلك المعتصم ولكن المأمون كان قبيل موته قد أوصى أخاه أن يقرّب ابن أبي ذؤاد المعتزلي منه. لذلك لما استقر الأمر للمعتصم استدعى الإمام أحمد وهو مثقل بالحديد وكان عنده ثلة من المعتزلة على رأسهم ابن أبي ذؤاد الذي كان يضمر كيدا شديدا لأحمد، وسأله: ما تقول في خلق القرآن؟ قال: أقول إنه كلام اللّه. قال: أ قديم أم حادث؟ قال: ما تقول في علم اللّه؟ فسكت أبو ذؤاد. قال أحمد: القرآن من علم اللّه ومن قال إنّ علم اللّه حادث فقد كفر! وطلب المعتصم أن يناقشوه وكاد أن يقتنع بقول أحمد ولكن قال له المعتزلة وابن أبي ذؤاد إنه لضال مبتدع. عرض المعتصم على الإمام أحمد أن يرجع عما يقول مغريا

الصفحة 185