كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

من السفلى، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم، وحث على الدقة والإتقان في العمل وقرنه بحب اللّه للعبد، وحث على إعطاء العامل والأجير أجره بسرعة دون إبطاء.
أما أقوال السلف الصالح رضي اللّه عنهم في هذا المعنى كثيرة، منها ما يذكره الغزالي رحمه اللّه تعالى في الإحياء (2/ 64) وهو قول سيدنا عمر رضي اللّه عنه (ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي: أي أبيع وأشتري)، وقوله رضي اللّه عنه (إني لأرى الرجل فيعجبني فأسأل: أ له حرفة؟، فيقال: لا، فيسقط من عيني) ..
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها (المغزل بيد المرأة خير من الرمح في يد المجاهد) .. ويقول بعض الصالحين (ليست العبادة أن تصف قدميك - يعني للعبادة - وغيرك يقوت لك: ابدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تعبد) .. وقال ابن خلكان (لو يعلم المسلمون وأبناء المسلمين ما أعد اللّه تعالى للمسلمين في إحياء الأرض، ما ترك مسلم بقعة دون إحياء رجاء الثواب المدخر عند اللّه تعالى).
ويسمو الإسلام بالعمل أيضا حتى يجعله فوق الكثير من العبادات، فالرجل الذي يعمل ويعول أخاه العابد يصير أعبد منه، وهناك من يفضل الصناع على العباد كالشيخ الشعراني وهو من المتصوفة، ذلك لأن نفع العبادة تعود على صاحبها حسب، بينما نفع الحرف فيعود على الناس جميعهم بالخير .. وإذا كان الإسلام قد دعا إلى العمل فقد نهى عن الجلوس في البيت من غير عمل، فهذا سيدنا عمر رضي اللّه عنه يدخل المسجد بعد الصلاة، فيرى فيه قوما قابعين بدعوى التوكل على اللّه، فما كان من فاروق الإسلام إلا أن علاهم بدرته، وقال كلمته المشهورة (لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وأن اللّه تعالى يقول فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) ..
وهذا الإمام أحمد رضي اللّه عنه سئل عمن يجلس في بيته من غير عمل بحجة أن رزقه سيأتيه فأجاب السائل (هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ( .. جعل رزقي تحت ظل رمحي .. )، وقوله حين ذكر الطير ( .. تغدو خماصا وتروح بطانا .. ).
10. حق التجمع لعمل الخير ونبذ التجمع للشر:
وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوى ولا

الصفحة 29