كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

التظاهر وتأليف الجمعيات والأحزاب والحركات، ثم مجموعة الحقوق والحريات الاجتماعية مثل حق العمل واختيار نوعه والراحة والفراغ والمعونة عند العجز والمرض والشيخوخة. ثم تأتي مجموعة الحريات الاقتصادية، مثل حق التملك والتجارة والصناعة. ومجموعة الحقوق السياسية مثل حق الانتخاب والترشيح وتقرير المصير ...
وقد سبق الإسلام وكما فصلنا آنفا إلى تشريع هذه الحقوق بل أضاف إليها حقوقا أخرى.
ورغم أن هذه الحقوق والحريات جاءت تعدادا ومناشدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غير أنه لا توجد وسائل فعالة لتفعيلها ونقلها من النظرية إلى التطبيق. وفوق ذلك فإنها باتت معرضة لأن تعصف بها العولمة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، وتحكّم الدول الكبرى المتغطرسة التي تشن الإرهاب الدولي تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان. وبقي ميثاق حقوق الإنسان حبرا على ورق ولم ينفذ منه شيء، فالعالم اليوم يعيش حالة غالب ومغلوب، وتفرد قوة عظمى بالهيمنة على العالم، بل إنها اختطفت الأمم المتحدة وميثاقها وجعلتهما ألعوبة في يدها، فكان حق الفيتو سيئ الصيت لصالح مصالح خاصة ضيقة بمجموعة بشرية معينة قمة الإساءة للمنظومة الدولية وحقوق الإنسان، ثم جاء تشكيل المحكمة الجنائية الدولية ليسهم في تعزيز الظلم والاستبداد في جعل جرائم أميركا وأعوانها في منأى عن المسائلة والعقاب ..
لكن الأمر يختلف بالنسبة للشريعة الغراء، التي يستنبط منها نظام كامل متكامل لحقوق الإنسان لا يهتم بالدرج والتعداد، بل جعل حقوق الإنسان منهجا وفعلا وتطبيقا. وحين كانت أوربا تغط في نوم عميق وتعيش قرونها الوسطى المظلمة تحت جبروت القساوسة والنبلاء والسلطات المطلقة للحكام، جاء الإسلام بتصور شامل لحقوق الإنسان، وكانت دولة الإسلام تنشر العدل والإحسان، على أسس ومبادئ شرعية قانونية لم تعرفها البشرية من قبل، وكان الخليفة مقيدا بأحكام الكتاب والسنة، ملتزما باحترام حقوق الإنسان والأفراد وحرياتهم التي نص عليها الإسلام، ووضع الضمانات التي تكفل حمايتها من كل جور واعتداء .. إن المنهج الإسلامي يقوم على إقامة العدل وتقديمه على السلم عند التقاطع بينهما، ولا يحترم السلم المبني على الظلم، وأعلن القرآن الكريم أن إقرار العدل في الأرض هو أعظم هدف بعد عبادة اللّه تعالى، والتي هي أعلى غاية على الإطلاق لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ والْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ

الصفحة 31