كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

ورحمة لأن الإسلام جاء لتحقيق هذا الغرض، أما الثاني فدخلت فيه المصالح الضيقة للنفس البشرية ومطامعها فلم يطبق ولم يعدل وإنما كانت شعارات فقط أو تطبيق رمزي بأحسن الأحوال.
والقصص في عدل الإسلام الذي لم يشهد تاريخ البشرية مثله أكثر من أن تذكر، فهذا سيدنا الصديق رضي اللّه عنه، الرجل عند المواقف، الذي يهابه الجبال من الرجال، وأي رجال، إنهم الصحابة رضوان اللّه تعالى عنهم، يذهب يوميا، فيما يروي سيدنا عمر رضي اللّه عنه، بعد صلاة الفجر وإكمال الورد بالذكر حتى طلوع الفجر إلى مكان جعل الصحابة يسألون عنه، حتى يقول سيدنا عمر: هممت يوما أن أتبعه بعد شروق الشمس وخروجه من المسجد لأعرف الخبر وأستقصي الأمر، فاتبعته ووجدته دخل بيتا في طرف المدينة، فإذا هو بيت امرأة عجوز لا عائل لها، فدخلت عليها وسألتها عن أحوالها فقالت: لو لا هذا الشيخ الذي يأتينا يوميا لإنجاز عمل البيت من إعداد الطعام والتنظيف لكان حالنا بأتعس حال، فقال لها الفاروق أ تعرفين من هو قالت لا. وكان سيدنا عمر رضي اللّه عنه كلما يذكر القصة بعد توليه أمر المسلمين يجلس ويضع يده على وجهه قائلا: أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر ..
وها هو الفاروق عمر رضي اللّه عنه في تطبيق العدالة والاقتصاص من الظالم وإن كان مسئولا مع القبطي الذي ظلمه ابن عمرو بن العاص - ابن الأكرمين - بضربه بالسوط على رأسه عقب سباق بينهما، وقوله المأثور والمشهور لأبيه عمرو بن العاص والي مصر (متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا) إلا دليلا بسيطا عن العدل الذي ساد الأرض وأممها إبان الحكم الإسلامي بعد الجور والظلم الذي عانته من قبل الحكم الفارسي والروماني والحبشي قبل ذلك.
وعدل سيدنا عثمان رضي اللّه عنه مع رعيته وقبوله للنقد خلال الفتنة يسجل بأحرف من نور ... ومن بعده سيدنا علي عليه الرضوان والسلام مع اليهودي في قصة الدرع، ومع غيره من الرعية تبين عظمة هذه الأمة.
وما كل ذلك إلا إخراج للناس من الظلم الذي وقع بهم جراء تسلط الأشراف والرؤساء والأكابر عليهم وعدم الاقتصاص منهم إذا أخطئوا، وهو ما شخّصه الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم (الحدود 3196) عن عروة عن

الصفحة 4