كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)

وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)، (النمل: 14) .. أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70) ولَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ والْأَرْضُ ومَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)، (المؤمنون).
المشكلة أن الأهواء والشهوات بكافة أشكالها هي التي تحكم البشر ولو أنهم قدروا اللّه حق قدره وعرفهم مع من يتعاملون، لما تجرّأ أحد على الاعتراض على أوامر اللّه وتشريعاته، ولكن اللّه تعالى رءوف بالناس على ظلمهم رغم كونه سبحانه غني عنهم وهم من يحتاج إليه في كل الأحوال:
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً (27)، (النساء: 27) .. فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)، (القصص: 50) .. أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)، (الجاثية: 23).
على أن التشريع الحنيف أعطى فسحا عظيمة في جنباته لاستيعاب المتغيرات التي تطرأ على المجتمع، لكن الأصل هو الحفاظ على إنسانية البشر وكرامتهم وحرية أفكارهم وحرمة دماءهم وأعراضهم وأموالهم، فلا تجارة بجمال المرأة وجسدها، ولا أموال تزاد بربا يسحق الأغلبية المحرومة، ولا اعتداء على أهل ذمة أو عقيدة مخالفة، ولا قبول بأي جنس عمل يحول البشر الذين خلق الكون من أجلهم إلى مجرد آلات تستغل لرفع نفر قليل وسحق أمم بأكملها.
هذا الكتاب يبين لكل من يريد أن يستبين أن أي تشريع جاء به الإسلام كان لسبب مصلحي في الصحة والاقتصاد والاجتماع، ولكل البشر دون استثناء ودون تمايز بين الرجل والمرأة، الأسود والأبيض، العربي والأعجمي، إلا بالاستحقاق الذي تقتضيه المصلحة العامة وبما شرّعه اللّه تعالى الخالق الكامل العالم بكل خفايا مخلوقاته لمصلحة المخلوق الناقص مهما علا علمه، واللّه غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...

الصفحة 7