كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
ج - نزول القرآن الكريم «1»:
الراجح أنّ القرآن له تنزلان:
الأول: نزوله جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا. يقول اللّه تعالى في كتابه العزيز مبينا هذا المعنى:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى والْفُرْقانِ، [البقرة: 185] ... وقال جل وعلا: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)، [الدخان: 3 - 4]، أي في ليلة القدر وليست ليلة النصف من شعبان كما يعتقد كثير من عامة الناس ... وقال تبارك وتعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)، [القدر: 1].
الثاني: نزوله من السماء الدنيا إلى الأرض مفرّقا منجما في ثلاث وعشرين سنة ...
يقول اللّه تعالى: وقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ونَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106) [الإسراء: 106] ... تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) [الجاثية: 2].
هذه الآيات وكثير غيرها، تفيد أنّ جبريل عليه السّلام نزل به على قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّ هذا النزول غير النزول الأول إلى السماء الدنيا فالمراد به نزوله منجّما أي على دفعات، ويدل التعبير بلفظ التنزيل دون الإنزال على أنّ المقصود النزول على سبيل التدرج، فالتنزيل لما نزل مفرقا والإنزال أعم يفيد النزول دفعة واحدة كما كان حال التوراة والإنجيل، قال تعالى: الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وأَنْزَلَ التَّوْراةَ والْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ واللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4)، [آل عمران].
وقد نزل القرآن منجّما في ثلاث وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة على الرأي الراجح، وعشر بالمدينة، وكان ينزل بحسب الوقائع والأحداث خمس آيات وعشر
______________________________
(1) لتفاصيل في هذا العلم انظر كتبنا (القرآن منهل العلوم - طبع الجامعة الإسلامية ببغداد)، وكتاب (استنباط الحلول من أسباب النزول).