كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
كذبت، أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: أرسله. اقرأ يا هشام، فقرا القراءة التي سمعته ... فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كذلك أنزلت. ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اقرأ يا عمر، فقرأت التي أقرأني فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: كذلك أنزلت. إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسّر منه"، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وأحمد وابن جرير.
قوله:" فكدت أساوره في الصلاة": أي أواثبه وأقاتله، وقال النووي: أي أعاجله وأواثبه ... وقوله:" فلبّبته بردائه": أي جمعت عليه ثوبه عند لبّته وجررته به لئلا يتفلت مني. واللبة: الهزمة التي فوق الصدر، وفيها تنحر الإبل ... وقوله:" كذبت":
أي أخطأت، لأن أهل الحجاز يطلقون الكذب في موضع الخطأ ... وسبب تخطئة عمر كان بسبب رسوخ قدمه في الإسلام بخلاف هشام فإنه كان قريب العهد بالإسلام فخشي عمر من ذلك أن لا يكون أتقن القراءة، بخلاف نفسه فإنه أتقن ما سمع، وكان سبب اختلاف قراءتهما أن عمر حفظ هذه السورة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قديما، ثم لم يسمع ما أنزل فيها بخلاف ما حفظه وشاهده ولأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أقرأ هشاما على ما نزل أخيرا فنشأ اختلافهما من ذلك. ومبادرة عمر للإنكار محمولة على أنه لم يكن سمع حديث أنزل القرآن على سبعة أحرف إلا في هذه الحادثة.
يفيد هذا الحديث أنّ النزاع بين الصحابيين الجليلين راجع إلى كيفية تلاوة القرآن، لا إلى تفسيره وبيان معانيه وهذا يبرهن على أنّ القرآن يقرأ بأكثر من وجه.
وهذه الأوجه التي أنزل عليها القرآن ليست من لغة واحدة بل هي من عدة لغات عربية كلها توقيفية أي أوحي بها إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب قوله رضي اللّه عنه:" كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه. ثم دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه.
ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرءا. فحسّن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم شأنهما. فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية. فلما رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأني أنظر إلى اللّه عز وجل فرقا، فقال لي