كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
صلّى اللّه عليه وسلّم: (يا أبي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هوّن على أمّتي فردّ إليّ الثانية اقرأه على حرفين. فرددت إليه أن هوّن على أمّتي. فردّ إليّ الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم اغفر لأمّتي.
اللهم اغفر لأمّتي، وأخّرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم).
يتبيّن من ذلك أن كل حرف من الأحرف السبعة تنزيل من حكيم حميد. وقد يتساءل المرء عن كلام اللّه تعالى كيف يقرأ على سبعة أوجه ... ؟ وقد تعتريه الدهشة ويختلجه الشك بإثارة الشيطان وساوسه في نفسه ليكدر صفو إيمانها، ويوهن من قوة يقينها باللّه ورسوله وكتابه.
وفي هذا الحديث معالجة عملية لمثل هذه الحالة النفسية الدقيقة الحرجة. فالرسول صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى آله يباشر بنفسه القيام بهذه المداواة.
فلقد ضرب في صدر الصحابي الجليل ضربة نبويّة قطع بها دابر الشك الوافد قبل استقراره وتمكنه، فأخذ على الشيطان سبيله إلى قلب أبيّ، ثم أتبع ذلك ببيان يثلج الصدر ببرد اليقين، ويفعم القلب بنور الإيمان، أعلى مراتب الإيمان" اعبد اللّه كأنك تراه" مما جعل أبيا يرى نفسه كماثل أمام الحضرة الإلهية، فغشيه شعور عظيم بالمهابة والحياء من اللّه، ويروعه ما كاد ينزلق فيه بعد إذ هداه اللّه من ضلال أشد من ضلال الجاهلية، فانتابه إحساس قوي بالخجل والوجل فلاذ بالإذعان لمشيئة اللّه وحكمته البالغة التي قضت بإنزال القرآن على سبعة أحرف.
ما المراد بالأحرف السبعة؟: اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة، وتشعبت أقوالهم، وتعددت، ولكننا سنورد أرجح الأقوال وهو قول محمد بن الجزري في بيان المراد بحديث أنزل القرآن على سبعة أحرف.
قال ابن الجزري: لا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيف وثلاثين سنة، حتى فتح اللّه عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء اللّه.
ذلك أني تتبّعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها وذلك:
أولا: الاختلاف في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة:
نحو: (البخل) بأربعة أوجه و (يحسب) بوجهين.