كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 14)
ونشير هنا إلى أن الأحرف السبعة لا تعني القراءات السبعة بل تعني سبعة أوجه في الخلاف وقد وصل إلينا عشرة قراءات متواترة لكتاب اللّه تعالى. القراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي في كتابة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما. وقد عرّف ابن الجزري القراءات بقوله:" علم القراءات، علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها حسب ناقليها".
ه - جمع القرآن وترتيبه:
كلمة جمع تأتي بمعنيين:
المعنى الأول: بمعنى حفظه ومنه يقال جمّاع القرآن أي حفّاظه، وهذا المعنى هو الذي ورد في قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ (17)، [القيامة: 17] ذلك أنه كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجهد نفسه ويردد وراء جبريل حين كان ينزل عليه بالوحي خشية أن لا يحفظ ما أنزل عليه فأنزل اللّه تعالى هذه الآية تطمينا للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتثبيتا لفؤاده حيث أوضحت الآية الكريمة أن اللّه سبحانه وتعالى قد تعهد بتحفيظه إياه وعدم نسيانه وتفهميه معناه. المعنى الثاني، جمع القرآن بمعنى كتابته كله في صحيفة واحدة بين دفتي كتاب.
1 - جمع القرآن بمعنى حفظه على عهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم:
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مولعا بالوحي، يترقّب نزوله بشوق، فما من آية تنزل إلا ويدعو ثلة من أصحابه، اختارهم لكتابة الوحي، فيأمرهم بكتابة ما نزل. وكان كلما نزلت آية حفظت في الصدور ووعتها القلوب. وقد اتخذ النبي عليه الصلاة والسلام كتّابا للوحي منهم: الخلفاء الأربعة، وعبد اللّه بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وخالد بن الوليد وغيرهم رضي اللّه عنهم. وهكذا كان القرآن يكتب آية فآية ومقطعا فمقطعا. ولم يكن ترتيبه حسب ترتيب النزول بل كان سيدنا جبريل يقول للمصطفى عليه الصلاة والسلام إنّ اللّه يأمرك أن تضع هذه الآية على رأس كذا آية من سورة كذا، فيأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتّاب الوحي بوضع هذه الآية في ذلك المكان. وعند ما نزلت آخر آية - على الرأي الذي رجّحه كثير من علماء الحديث - وهي قول اللّه تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ