كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

والباقون قرأوه مبنياً للفاعل. قال الفراء والزجاج: يعني أذن الله للذين يحرصون على قتال المشركين في المستقبل. وأما «يقاتلون» فقرأه مبنياً للمفعول نافع وابن عامر وحفص، والباقون مبنياً للفاعل. وحصل من مجموع الفعلين أن نافعاً وحفصاً بنياهما للمفعول. وأن ابن كثير وحمزة والكسائي بنوهما للفاعل، (وأن أبا عمرو) وأبا بكر بنيا الأول للمفعول والثاني للفاعل، وأن ابن عامر عكس هذا. فهذه أربع رتب والمأذون فيه محذوف للعلم به أي للذين يقاتلون في القتال. و «بأَنَّهُم ظُلِمُوا» متعلق ب «أُذِنَ» ، والباء سببية، أي بسبب أنهم مظلومون.
فصل
قال المفسرون: «كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلا يزالون يجيئون بين مضروب ومشجوج يشكون ذلك إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيقول لهم:» اصْبِرُوا فَإِنِّي لَمْ أُوْمَرْ بِالقِتَال «
حتى هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال، ونزلت هذه الآية بالمدينة. وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون، فأذن الله لهم في قتال الكفار الذي يمنعونهم من الهجرة «بأنَّهُم ظُلِمُوا» أي بسبب ما ظلموا واعتدوا عليهم بالإيذاء. {وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} وهذا وعد منه تعالى بنصرهم، كما يقول المرء لغيره: إن أطعتني فأنا قادر على مجازاتك، لا يعني بذلك القدرة بل يريد أنه سيفعل ذلك.
قوله: {الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ} يجوز أن يكون «الذين» في محل جر نعتاً للموصول الأول، أو بياناً له، أو بدلاً منه وأن يكون في محل نصب على المدح، وأن يكون في محل رفع على إضمار مبتدأ.

الصفحة 100