كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

وقيل: إنما سميت القراءة أمنية لأن القارئ إذا انتهى إلى آية رحمة تمنى حصولها وإذا انتهى إلى آية عذاب تمنى أن لا يُبْتلى بها.
وقال أبو مسلم: التَّمَنِّي هو التقدير، وتَمَنَّى هو تَفَعَّل من مَنَيْتُ، والمَنِيَّة وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله، ومَنَّى الله لك أي: قدَّر لك، وإذا تقرر ذلك فإن التالي مقدر للحروف يذكرها شيئاً فشيئاً. فالحاصل أن الأمنية إما القراءة وإما الخاطر، فإن فسرناها بالقراءة ففيه قولان:
الأول: أنه تعالى أراد بذلك ما يجوز أن يسهو الرسول فيه ويشتبه على القارئ ما رووه من قوله: تلك الغرانيق العُلَى.
والثاني: المراد منه وقوع هذه الكلمة في قراءته، ثم اختلف القائلون بهذا على وجوه:
الأول: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتكلم بقوله: تلك الغرانيق العلى، ولا الشيطان تكلم به، ولا أحد تكلم به لكنه - عليه السلام - لما قرأ سورة النجم اشتبه الأمر على الكفار فحسبوا بعض ألفاظه ما رووه من قولهم: تلك الغَرَانِيقُ العُلَى. وذلك على حسب ما جرت العادة به من توهم بعض الكلمات على غير ما يقال، قاله جماعة وهو ضعيف لوجوه:
أحدها: أن التوهم في مثل ذلك إنما يصح فيما جرت العادة بسماعه، فأما غير المسموع فلا يقع ذلك فيه.
وثانيها: أنه لو كان كذلك لوقع هذا التوهم في بعض هذا لتوهم بعض السامعين دون البعض فإن العادة مانعة من اتفاق الجمع العظيم في الساعة الواحدة على خيال واحد فاسد في المحسوسات.
وثالثها: لو كان كذلك لم يكن مضافاً إلى الشيطان.
الوجه الثاني: قالوا: إن ذلك الكلام كلام الشيطان وذلك بأن يلفظ بكلام من تلقاء

الصفحة 119