كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)
و {وَتَرَى الناس سكارى} من الخوف {وَمَا هُم بسكارى} من الشراب. وقيل: معناه كأنهم سكارى، ولكن ما أرهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم.
فإن قيل: هل يحصل ذلك الخوف لكل أحد أو لأهل النار خاصة؟
فالجواب: قال قوم إن الفزع الأكبر وغيره يختص بأهل النار، وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون، لقوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] وقيل: بل يحصل للكل؛ لأنه سبحانه لا اعتراض عليه في شيء من أفعاله.
فصل
احتجت المعتزلة بقوله {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ} وصفها بأنها شيء مع أنها معدومة. وبقوله تعالى: {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] فالشيء الذي قدر الله عليه إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، والأول محال وإلا لزم كون القادر قادراً على إيجاد الموجود، وإذا بطل هذا ثبت أن الشيء الذي قدر الله عليه معدوم، فالمعدوم شيء (واحتجوا أيضاً بقوله تعالى: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} [الكهف: 23 - 24] أطلق اسم الشيء على المعدوم في الحال، فالمعدوم شيء) . وأجيب عن الأول أن الزلزلة عبارة عن الأجسام المتحركة. وهي جواهر قامت بها أعراض، وتحقق ذلك في العدم محال، فالزلزلة يستحيل أن تكون شيئاً حال عدمها، فلا بد من التأويل، ويكون المعنى أنها إذا وجدت صارت شيئاً وهذا هو الجواب عن الباقي.
قوله: {وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله} الآية. في النظم وجهان:
الأول: أنه أخبر فيما تقدم عن أهل القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله، ثم
الصفحة 12
592