كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

فصل
قالت المعتزلة: الآية تدل على أمور ثلاثة:
الأول: أن غير الله قادر.
الثاني: أن غير الله يصح أن يرزق ويملك، ولولا كونه قادراً فاعلاً لما صح ذلك.
الثالث: أن الرزق لا يكون إلا حلالاً، لأن قوله: «خَيْرُ الرَّازِقِيْن» يدل على كونهم ممدوحين.
والجواب: لا نزاع في كون العبد قادراً، فإن القدرة مع الداعي مؤثرة في الفعل بمعنى الاستلزام.
والثالث بحث لفظي تقدم الكلام فيه.
فصل
دل قوله: {ثُمَّ قتلوا أَوْ مَاتُواْ} على أن حال المقتول في الجهاد والميت على فراشه سواء، لأنه تعالى جمع بينهما في الوعد، ويؤيده ما روى أنس أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: «المَقْتُولُ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ والمُتَوَفَّى فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ قَتْلٍ هُمَا فِي الأَجْرِ شَريكَان» ولفظ الشركة مشعر بالتسوية وإلا فلا يبقى لتخصيصها بالذكر فائدة.
قوله: «لَيُدْخِلَنَّهُمْ» هذه الجملة يجوز أن تكون بدلاً من «لَيَرْزُقَنَّهُم» وأن تكون مستأنفة. وقوله: «مُدْخَلاً يَرْضَوْنَه» قال ابن عباس: إنما قال: «يَرْضَوْنَه» لأنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ف «يَرْضَوْنَ» وقوله: {فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] وقوله: {ارجعي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً} [الفجر: 28] {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ} [التوبة: 72] .
ثم قال: {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} عليم بما يستحقونه فيفعله بهم ويزيدهم، أو عليم بما يرضونه فيعطيهم ذلك في الجنة، وأما الحليم فلا يعجل بالعقوبة على من يقدم على المعصية، بل يمهل لتقع منه التوبة فيستحق الجنة.
قوله تعالى: {ذلك وَمَنْ عَاقَبَ} «ذَلِكَ» خبر مبتدأ مضمر أي: الأمر ذلك وما بعده مستأنف. والباء في قوله: {بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} للسببية في الموضعين قاله أبو البقاء

الصفحة 132