كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

والذي يظهر أن الأولى يشبه أن تكون للآلة. «وَمَنْ عَاقَبَ» مبتدأ خبره «لَيَنْصُرَنَّه اللَّهُ» .
فصل
المعنى: الأمر ذلك الذي قصصناه عليك {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} أي قاتل من كان يقاتله، ثم كان المقاتل مبغياً عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن وابتُدِئ بالقتال.
قال مقاتل: نزلت في قوم من قريش أتوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم، وكره المسلمون قتالهم، وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام، فأبوا وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم، وثبت المسلمون لهم فنُصِروا، فوقع في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام. فأنزل الله هذه الآية، وعفا عنهم وغفر لهم.
والعقاب الأول بمعنى الجزاء، وأطلق اسم العقوبة على الأول للتعلق الذي بينه وبين الثاني كقوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40] {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] .
وهذه النُّصْرة تقوي تأويل من تأول الآية على مجاهدة الكفار لا على القصاص لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك. وقال الضحاك: هذه الآية في القصاص والجراحات لأنها مدنية.
قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه: من حَرَّق حَرَّقْنَاه، ومن غَرَّق غَرَّقْنَاه لهذا الآية، فإن الله تعالى جوَّز للمظلوم أن يعاقب بمثل ما عوقب به ووعده النصر. وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى: بل يقتل بالسيف.
فإن قيل: كيف تعلق الآية بما قبلها؟
فالجواب: كأنه تعالى قال: مع إكرامي لهم في الآخرة بهذا الوعد لا أدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم.
ثم قال: {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي إن الله ندب المعاقبين إلى العفو عن الجاني بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} [الشورى: 40] {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237] {وَلَمَن صَبَرَ

الصفحة 133