كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

واخضرار النبات على الأرض مرئي، فحمل الكلام على حقيقته أولى.
والثاني: المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام.
الثالث: المراد ألم تعلم.
قال ابن الخطيب: والأول ضعيف، لأن الماء وإن كان مرئياً إلا أن كون الله منزلاً له من السماء غير مرئي، وإذا ثبت هذا وجب حمله على العلم، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل.
قوله: «فتصبح» فيه قولان:
أحدهما: أنه مضارع لفظاً ماض معنى تقديره: فأصبحت، قاله أبو البقاء، ثم قال بعد أن عطفه على «أَنْزَل» : فلا موضع له إذاً. وهو كلام ضعيف، لأن عطفه على «أنزل» يقتضي أن يكون له محل من الإعراب وهو الرفع خبراً ل «أن» . لكنه لا يجوز لعدم الربط.
الثاني: أنه على بابه، ورفعه على الاستئناف. قال أبو البقاء: فهي، أي: القصة، و «تُصْبِح» الخبر. قال شهاب الدين: ولا حاجة إلى تقدير مبتدأ، بل هذه جملة فعلية مستأنفة لا سيما وقَدَّر المبتدأ ضمير القصة ثم حذفه، وهو لا يجوز، لأنه لا يؤتى بضمير القصة إلا للتأكيد والتعظيم والحذف ينافيه. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: فأصبحت، ولم صرف إلى لفظ المضارع. قلت: لنكتة فيه، وهي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان كما تقول: أنعَمَ عليَّ فلان عام كذا، فأروح وأغدو شاكراً له، ولو قلت: فَرِحْتُ وغَدَوْتُ لم يقع ذلك الموقع. فإن قلت: فما له رفع ولم ينصب جواباً بالاستفهام. قلت: لو نصب لأعطى عكس الغرض، لأن معناه إثبات الاخضرار، فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار، مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر. إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله. وقال ابن عطية: قوله: «فَتُصْبِِحُ» بمنزلة قوله: فتضحى أو تصير، عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة، ووقع قوله: «فتُصْبحُ» من حيث

الصفحة 136