كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

الآية خبر، والفاء عاطفة وليست بجواب، لأن كونها جواباً لقوله: «أَلَمْ تَر» فاسد المعنى. قال أبو حيان: ولم يبين هو ولا الزمخشري قبله كيف يكون النصب نافياً للاخضرار، ولا كون المعنى فاسداً.
قال سيبويه: وسألته - يعني الخليل - عن {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} فقال: هذا واجب وتنبيه، كأنك قلت: أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.
قال ابن خروف: وقوله: هذا واجب. وقوله: فكان كذا. يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام ب «أتسمع» . (ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام) لضعف حكم الاستفهام فيه.
وقال بعض شراح الكتاب: «فتُصْبِحُ» لا يمكن نصبه، لأن الكلام واجب، ألا ترى أن المعنى أن الله أنزل فالأرض هذه حالها. وقال الفراء: «ألَمْ تَر» خبر، كما تقول في الكلام: اعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا. ويقول: إنما امتنع النصب جواباً للاستفهام هنا، لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام، وإن كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام، هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب، ألا ترى إلى قوله تعالى: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب. فإذا قلت: ما تأتينا فتحدثنا. بالنصب، فالمعنى ما تأتينا محدثاً، وإنما تأتينا ولا تُحَدَِّث، ويجوز أن يكون المعنى أنك لا تأتي فكيف تحدث، فالحديث منتف في الحالتين، والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته الهمزة وينفي الجواب، فيلزم من هذا التقدير إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار، وهو خلاف المقصود.

الصفحة 137