كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

هذا أن فَعَّالاً هنا للنسب أي: بذي ظلم لا للمبالغة.
فصل
قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على مطالب:
الأول: دلت على أن العبد إنما وقع في ذلك العذاب بسبب عمله فلو كان فعله خلقاً لله تعالى لكان حين خلقه استحال منه أن لا يتصف به فلا يكون ذلك العقاب بسبب فعله، فإذا عاقبه عليه كان ذلك محض الظلم وذلك خلاف النص.
الثاني: أن قوله: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ} يدل على أنه سبحانه إنما لم يكن ظالماً بفعل ذلك العذاب، وهذا يدل على أنه لو عاقبه لا بسبب فعل يصدر من جهته لكان ظالماً، وهذا يدل على أنه لا يجوز تعذيب الأطفال لكفر آبائهم.
الثالث: أنه سبحانه تمدح بأنه لا يفعل الظلم فوجب أن يكون قادراً عليه خلاف ما يقوله النَّظَّام، وأن يصح ذلك منه خلاف ما يقوله أهل السنة.
الرابع: أنه لا يجوز الاستدلال بهذه الآية على أنه تعالى لا يظلم، لأن عندهم صحة نبوة النبي - عليه السلام - موقوفة على نفي الظلم، فلو أثبتنا ذلك بالدليل السمعي لزم الدور. وأجاب ابن الخطيب عن الكلّ بالمعارضة بالعلم والداعي.
قوله تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} الآية.
قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وقتادة: نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصحَّ بها جسمه، ونتجت فرسه مهراً حسناً، وولدت امرأته غلاماً، وكثر ماله قال: هذا دين حسن، وقد أصبت فيه خيراً واطمأن إليه، وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه، وقَلَّ مالُه قال ما أصبت منذ دخلت هذا الدين إلا شراً فينقلب عن

الصفحة 29