كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

ومالي وولدي. فقال عليه السلام:» إنَّ الإسْلاَمَ لاَ يُقَالُ، إنَّ الإسْلاَمَ يَسْبِكُ كَمَا تَسْبِكُ النَّارُ خَبَثَ الحَدِيد والذَّهَبَ والفِضَّةَ «ونزلت هذه الآية. وهاهنا إشكال، وهو أن المفسرين أجمعوا على أن هذه السور مكيَّة إلا ست آيات ذكروها أولها {هذان خَصْمَانِ اختصموا} [الحج: 19] إلى قوله {صِرَاطِ الحميد} [الحج: 24] ولم يعدوا هذه الوقائع (التي ذكروها في سبب نزول هذه الآية مع أنهم يقولون إن هذه الوقائع) إنما كانت بالمدينة كما تقدم النقل عنهم.
فإن قيل: كيف قال: {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب} والخير أيضاً فِتْنَةٌ، لأنه امتحان. قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] .
فالجواب: مثل هذا كثيرٌ في اللغة، لأن النعمة بلاء وابتلاء قال تعالى {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15] ولكن إنما يطابق اسم البلاء على ما يثقل على الطبع، والمنافق ليس عنده الخير إلا الخير الدنيوي، وليس عنده الشر إلا الشر الدنيوي، لأنه لا دين له؛ فلذلك وردت الآية على ما يعتقده. فإن قيل: إذا كانت الآية في المنافق فما معنى قوله {انقلب على وَجْهِهِ} وهو في الحقيقة لم يسلم حتى ينقلب.
فالجواب أنه أظهر بلسانه خلاف ما كان أظهره، فصار يذم الدين عند الشدة وكان من قبل يمدحه وذلك انقلاب على الحقيقة. فإن قيل: مقابل الخير هو الشر فلما قال {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ} كان يجب أن يقول: وَإِنْ أَصَابَهُ شَرٌّ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ.
فالجواب: لما كانت الشدة ليست بقبيحة لم يقل تعالى: وإن أصابه شرٌّ بل وصفه بما لا يفيد فيه القبح.
قوله: {خَسِرَ الدنيا والآخرة} قرأ العامة «خسر» فعلاً ماضياً، وهو يحتمل ثلاثة أوجه:
الاستئناف، والحالية من فاعل «انْقَلَبَ» ، ولا حاجة إلى إضمار (قد) على الصحيح.

الصفحة 31