كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

والرفع بإضمار مبتدأ. والجعل يجوز أن يتعدى لاثنين بمعنى صيّر، وأن يتعدى لواحد. والعامة على رفع «سواء» . وقرأ حفص عن عاصم بالنصب هنا، وفي الجاثية «سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ» وافقه على الذي في الجاثية الأخوان وسيأتي توجيهه. فأما على قراءة الرفع، فإِن قلنا: إنَّ «جَعَلَ» بمعنى (صير) كان في المفعول الثاني ثلاثة أوجه:
أظهرها: أن الجملة من قوله: {سَوَآءً العاكف فِيهِ} هي المفعول الثاني، ثم الأحسن في رفع «سَوَاءٌ» أن يكون خبراً مقدماً، و «العاكف» ، والبادي مبتدأ مؤخر، وإنما وَحَّد الخبر وإن كان المبتدأ اثنين، لأنَّ «سَواءٌ» في الأصل مصدر وصف به، وقد تقدم أول البقرة. وأجاز بعضهم أن يكون «سَوَاءٌ» مبتدأ، وما بعده الخبر، وفيه ضعف أو منع من حيث الابتداء بالنكرة من غير مسوّغ، ولأنه متى اجتمع معرفة ونكرة جعلت المعرفة المبتدأ. وعلى هذا الوجه أعني كون الجملة مفعولاً ثانياً فقوله: «للنَّاس» يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلق بالجعل، أي: جعلناه لأجل الناس كذا.
والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنه حالٌ من مفعول «جَعَلْنَاهُ» ، ولم يذكر أبو البقاء فيه على هذا الوجه غير ذلك، وليس معناه متضحاً.
الوجه الثاني: أنَّ «لِلنَّاسِ» هو المفعول الثاني، والجملة من قوله: «سَوَاءٌ العَاكِفُ» في محل نصب على الحال، إما من الموصول وإما من عائده وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء، وفيه نظر؛ لأنه جعل هذه الجملة التي هي محطّ الفائدة فضلة.

الصفحة 58