كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 14)

وقال الزجاج: «مِن» ههنا للتجنيس، أي اجتنبوا الأوثان التي هي الرجس {واجتنبوا قَوْلَ الزور} . واعلم أنه تعالى لما حَثّ على تعظيم حرماته أتبعه بالأمر باجتناب الأوثان وقول الزور، لأن توحيد الله وصدق القول أعظم الحرمات، وإنما جمع الشرك وقول الزور في سلك واحد، لأن الشرك من باب الزور، لأن المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة فكأنه قال: فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله، ولا تقربوا شيئاً منه، وما ظنك بشيء من قبيلة عبادة الأوثان. وسمى الأوثان رجساً لا للنجاسة لكن لأن وجوب تجنبها أوكد من وجوب تجنب الرجس، ولأن عبادتها أعظم من التلوث بالنجاسات. قال الأصَمّ: إنما وصفها بذلك لأن عادتهم في القربان أن يتعمدوا سقوط الدماء عليها. وهذا بعيد، وإنما وصفها بذلك استحقاراً واستخفافاً.
والزور من الازورار وهو الانحراف كما أن الإفك (من أَفِكه إذا صرفه) وذكر المفسرون في قول الزور وجوهاً:
الأول: قولهم: هذا حلال وهذا حرام، وما أشبه ذلك.
والثاني: شهادة الزور؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الصبح فلما سلم قام قائماً، واستقبل الناس بوجهه، وقال: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» وتلا هذه الآية.
الثالث: الكذب والبهتان.
الرابع: قول أهل الجاهلية في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك.
قوله: «حُنَفَاءَ لِلَّهِ» حال من فاعل «اجْتَنِبوا» ، وكذلك «غَيْرَ مُشْرِكِين»

الصفحة 82